-->

01‏/01‏/2016

مادة الفلسفة : الدروس ، المواقف الفلسفية ، منهجيات التحليل ' طريقة وكيفية تحليل النص الفلسفي والقولة والسؤال المفتوح '' ، تعريف المفاهيم...السنة الثانية بكالوريا مسلكي وشعبتي الاداب والعلوم الانسانية وشعبة ومسلك العلوم






السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :


بلبلب



منهجية الإنشاء الفلسفي 



منهـجية تحـليل الـنص الفـلسفي
مطلب الفهم :

- تأطيرالنص داخل المجال الإشكالي الذي ينتمي إليه ونقصد بذلك المجزوءة ( أو المجزوءات ) والمفهوم ( أو المفاهيم )
- التمهيد للموضوع والذي هو التدرج بالقارئ إلى المشكل والقضية التي يطرحها هذا النص
- طــرح الإشكـال : وهو سؤال أو تساؤل يعيد صياغة المشكلة المطروحة في النص في سؤال محدد ، أي يقدمها في صيغة سؤال ثم نقوم بتفريغ هذا السؤال إلى أسئلة فرعية جزئية
مطلب التحليل:
 - استخراج الأطروحة المتضمنة في النص
- استخراج وشرح المفاهيم الرئيسية الموجودة في النص
- استخراج البـراهيــن أي الحجج والأدلة التي استعان بها صاحب النص لتأييد موقفه
- قيمة النص أو الــنقـــد: وهو تقييم موضوعي للموقف الذي يعرضه صاحب النص من حيث الوضوح أو الإبهام أو التناقض... وكذلك تقييم للبراهين والأدلة .... (يعني الوقوف عند حدود النص ومحاصرته بغية تجاوزه )
مطلب المناقشة:
- ذكر الأطروحات والمواقف المؤيدة لفكرة  النص (المناقشة بالتأكيد)
- ذكر الأطروحات والمواقف المعارضة  لفكرة النص (المناقشة بالاعتراض)
مطلب التركيب :
- خلاصة تركيبية للتحليل والمناقشة وهي حل للمشكلة المطروحة في النص أي الجواب الأخير وفيه نقوم بمحاولة التقريب بين الرأيين المتعارضين. أو إقامة شبه صلح بينهما واعتماد الرأي الوسط . أو بالإبقاء على ما اتفقا عليه وإسقاط ما اختلفا فيه أو نقوم بتجاوز الرأيين المتعارضين إلى موقف ثالث أصح منهما أو يمكن أن يشتركا فيه
- إبداء الرأي الشخصي
- فتح تساؤلات إشكالية ممكنة 

نموذج موضوع في النص الفلسفي


"إن السلطة لا تحتاج إلى أي تبرير، انطلاقا من كونها لا تقبل الانفصال عن وجود الجماعات السياسية، لكن ما تحتاج إليه السلطة إنما هو المشروعية... تنبثق السلطة في كل مكان يجتمع فيه الناس ويتصرفون على أساس الاتفاق فيما بينهم، لكنها سلطة تستنبط مشروعيتها انطلاقا من اللقاء الأول، أكثر مما تستنبطها من أي عمل قد يلي ذلك. إن المشروعية، حين تواجه تحديا، فإنها تبحث عن سند لها في الماضي، أما التبرير فانه يرتبط بغائية تتصل مباشرة بالمستقبل. العنف قد يبرر، لكنه لن يحوز على المشروعية ... إن أحدا لا ينازع في ضرورة استخدام العنف في حال الدفاع المشروع عن النفس حين لا يكون الخطر باديا فقط ، بل حتميا كذلك . هنا تكون الغاية التي تبرر الوسيلة جليا."


حلل النص وناقشه


يندرج النص الذي بين أيدينا ضمن مجزوءة السياسة  من خلال مفهومين احدهما صريح هو الدولة والآخر ضمني هو العنف . من المألوف أن ننظر إلى الدولة التي تستند إلى القانون في ممارسة سلطتها على المواطنين على أنها "دولة الحق" وأن تعتبر في المقابل كل دولة تلجأ إلى القوة وتمارس بمثابة دولة استبدادية تغيب القانون في علاقتها بالمواطنين...غير أن استقراء الواقع أو استنطاق التاريخ يكشف عن تداخل معقد بين الحق والعنف في تشكيل ماهية الدولة بصورة تبعث على التفكير فيما إذا كان العنف لصيقا بالدولة ومدى ارتباطه أو انفصاله عن الحق . فإذا كانت السلطة السياسية للدولة تتحدد في طبيعة العلاقة الممكنة بين الحاكم ورعيته والتي من شأنها أن تتراوح بين المهارة والدهاء وبين الرفق والاعتدال والحكمة، فإن الدولة تكون في كثير من ممارستها ضد التسلط والعنف، وفي بعض الأحيان تميل إلى التسلط والعنف، فهل تمارس الدولة سلطتها بالقوة أم بالقانون، بالحق أم بالعنف؟
من خلال قراءتنا للنص يتضح انه ينبني على أطروحة أساسية مفادها أن السلطة التي تنبني على المشروعية المنبثقة من اللقاء الأول بين الحاكم والشعب والتي تتم عبر مشروعية الحكم اعتمادا على التراث وحماية الماضي واستلهام الأجداد و المشروعية  المرتبطة بشخص ملهم ذو سلطة دينية وأخلاقية أو إيديولوجية ويحكم باسمها أو المشروعية  المؤسسية المستمدة من التمثيلية الانتخابية ومرجعية القانون والمؤسسات . فالدولة بوصفها تجمعا سياسيا منظما إداريا وقانونيا حسب النص دائما تقوم أيضا على العنف باعتباره وسيلتها المميزة التي لا يمكنها الاستغناء عنه لذلك تجلت وظيفة الدولة الأساسية في ممارسة العنف المادي المشروع والمنظم بقوانين وإجراءات، فهي وحدها من لها الحق في ممارسة العنف لفائدته. وقد استثمر في ذلك صاحب النص جملة من المفاهيم الفلسفية أهمها السلطة، العنف... ومن الجدير بالذكر أن مفهوم السلطة يدل على التعبير القانوني المنظم عن المجتمع بوصفها مجموعة مؤسسات وأجهزة سياسية وإيديولوجية وتشريعات تسعى من ورائها المحافظة على وحدة المجتمع وتوازنه وكل ما يخدم الصالح العام كما تهدف إلى إشاعة النظام وتحقيق الأمن فضلا عن تأمين الحقوق الأساسية لأفراد المجتمع (تعليم – صحة ...) ورعاية تطلعاتهم نحو الحرية والعدالة. كما أن العنف عنوانا للدولة احتكرته وشرعته بدعوى المحافظة على وحدة الكيان الاجتماعي والصالح العام، وخلقت مؤسسات وأجهزة قمعية لتأمين إرادتها وإخضاع باقي الإرادات لسلطتها.
يبدو من خلال التمعن في النص أن الحجة الأساسية التي أقام عليها صاحب النص تصوره تتجلى في أسلوب التفسير والتوضيح بغية الإقناع بفكرته حول مشروعية حيازة الدولة للعنف المشروع وإبطال أطروحة الخصم الرافضة لمبدأ العنف باسم السلطة .
وفي نفس السياق يرى ماكس فيبر أن جوهر السلطة هي ممارسة العنف وأن الدولة وحدها لها الحق والمشروعية في استعمال العنف . واحتكار الدولة للعنف راجع إلى كونه شرطا أساسيا لبقائها والمحافظة على النظام الذي تقوم عليه فالدولة بوصفها تجمعا سياسيا منظما إداريا وقانونيا تحتاج إلى العنف لضبطه واحتكار استعماله لصالح المجموع، وعندما يغيب العنف فإن الدولة تضمحل ويختفي، فالتعاقد الاجتماعي أطروحة غير صالحة لأنها تعني ببساطة تنازل الدولة عن حق استعمال العنف في إطار نظام سياسي حديث يتم فيه تقسيم السلط ومراقبتها لبعضها البعض عبر التمثيلية والانتخاب.وإذن ماكس فيبر يدعو صراحة إلى احتكار الدولة للعنف المادي المشروع فسر وجود واستمرار الدولة هو إخضاعها للناس عبر السلط عن طريق العنف فالدولة العصرية تقوم على العنف وفقا للشرعية العقلانية والقانونية التي تنظم علاقة السلطة بالمواطنين أي أنه عنف مشروع متفق عليه غايته حفظ الأمن وحماية الصالح العام.
وعلى خلاف تصور صاحب النص ومؤيده نجد طرح إنجلز (1820-1895م) الذي يبين أن الدولة هي نتاج ومظهر لعدم   إمكانية التوفيق بين المصالح الطبقية المتضادة وتنشأ الدولة كنتاج لمجتمع ما عند درجة  معينة من تطوره، فالدولة بالنسبة له ذلك :"الاعتراف بأن المجتمع قد تورط في تناقض مع ذاته غير قابل للحل، وأنه قد تصدع إلى تناقضات لا يمكن التوفيق بينها ولا طاقة له بالخلاص" ولكي تقوم هذه التناقضات، وهذه الطبقات ذات المصالح الاقتصادية المتصارعة، باستهلاك أنفسها والمجتمع في نضال عقيم، أصبح من الضروري قيام سلطة تقف في الظاهر فوق المجتمع، سلطة تهدئ الصراع وتبقيه في حدود النظام وهذه السلطة المنبثقة عن المجتمع والتي تضع نفسها فوقه وتنسلخ عنه أكثر فأكثر، إن الدولة هي جهاز للحكم الطبقي جهاز لاستبداد طبقة بأخرى، فخلق "النظام" هو الذي يوطد أركان هذا الاستبداد ويجعله مشروعا وذلك عن طريق تلطيف حدة الصراع بين الطبقات وأن الدولة لا يمكن أن تنشأ أو تبقى إذا كان التوفيق بين الطبقات أمر ممكنا إنها باختصار (الدولة) نتاج المتناقضات التي لا يمكن التوفيق بينها.
يتضح في الأخير أن الفرد هو قيمة عليا ومعيار أسمى لصياغة القوانين والتشريعات التي تمنع أنواع الاستعباد والاضطهاد التي قد يتعرض لها وإذا كانت الدولة ترتبط بالعنف والحق، فإن هذه العلاقة تبدو رهينة بطبيعة الأنظمة السياسية من حيث إنها تقوم على توازن يجعل العنف مشروعا في إطار تقني وعقلنة للسلطة السياسية وأنها لم تشمل شروط المجتمع السياسي الذي تمثله دولة الحق. كما أن اسم الدولة يقترن بمجموع الأجهزة المكلفة بتدبير الشأن العام للمجتمع، هكذا تمارس إذن الدولة سلطتها بالاستناد إلى مجموعة من القوانين والتشريعات السياسية التي تروم تحقيق الأمن والحرية والتعايش السلمي.

منهجية تحليل القولة

مطلب الفهم :
- ربط القولة  بالمجزوءة أو المجزوءات المعينة ذات العلاقة بالقولة السؤال
- ربط القولة  بمفهوم أو مفهومين أو أكثر ثم بمحاور الدرس من خلال إبراز القضايا والمفاهيم التي تحيل عليها القولة 
- تمهيد  وهو مدخل إلى الموضوع المطروح في القولة
طــرح الإشكـال: تفتيت وتفكيك القولة إلى أسئلة جزئية تلامس القضايا والمفاهيم التي تظهرها القولة مع إبراز حدود سؤال القولة
مطلب التحليل:
- شرح وتوضيح المفاهيم والمصطلحات الواردة في القولة
- تحليل منطوق القولة ومضمونها واستخراج الأطروحة المتضمنة فيها 
- الوقوف عند حجاج القولة أو عرض البراهين أي الحجج التي تؤيد صحة الموقف المتضمن فيها
- مساءلة موقف صاحب القولة بهدف تأزيمه ومحاصرته تمهيدا لمناقشته
مطلب المناقشة:
- لحظة الانفتاح على الأطروحات التي تسير وفق توجه القولة
- لحظة مقابلة الأطروحة بالأطروحات النقيض
-توظيف حجج ذاتية
مطلب التركيب :
- خلاصة تركيبية للتحليل والمناقشة وهي حل للمشكلة المطروحة في القولة  أي الجواب الأخير وفيه نقوم بمحاولة التقريب بين الرأيين المتعارضين . أو إقامة شبه صلح بينهما واعتماد الرأي الوسط . أو بالإبقاء على ما اتفقا عليه وإسقاط ما اختلفا فيه أو نقوم بتجاوز الرأيين المتعارضين إلى موقف ثالث أصح منهما أو يمكن أن يشتركا فيه
- إبداء الرأي الشخصي
- فتح تساؤلات إشكالية ممكنة 
  
 نموذج موضوع في القولة المرفقة بسؤال


" العالم الذي أنا موجود فيه هو عالم أتقاسمه مع الآخرين لان الوجود في العالم هو وجود في العالم مع الآخرين فعالم الوجود هنا هو عالم مشترك. والوجود هنا هو وجود – مع – الغير."



أوضح مضمون القولة وبين أبعادها
 
تحيل القولة على مجزوءة الوضع البشري بطرح مشكلة الغير والأنا ، وذلك من خلال مفهوم صريح هو الغير وآخر ضمني هو الشخص حيث تطرح قضية وجود الغير والصعوبات التي تواجه الذات في استكشافها لهذا الغير الذي يبقى افتراضا استدلاليا قد يتحول إلى عالم ممكن، فهو جزء من الذات لكن الحكم عليه يكون بابا منفتحا على احتمالات السقوط في الخطأ، فهو أقرب إلى العواطف منه إلى البداهة والحدس. وعليه نطرح الإشكال التالي:  بأي معنى يمكن اعتبار الغير أنا آخر؟ وهل معرفة الغير ممكنة أم مستحيلة؟
        يتحدد الغير في الدلالة الفلسفية باعتباره " الأنا الذي ليس أنا" ، إنه الشبيه المختلف: إنه شبيهي ما دام يشاطرني الكثير من الصفات الفيزيولوجية والنفسية، لكن في المقابل فهو يختلف عني في مؤهلاته ورغباته وأفكاره ومشاعر
يرى صاحب القولة  أن وجود الغير ضروري لوجود الأنا ومكون له، فلكي أتوصل إلى حقيقة كيفما كانت حول ذاتي، لابد لي من أن أمر عبر الآخر (الغير) . إن الآخر لا غنى عنه لوجودي، كما لا غنى لي عنه في معرفتي لنفسي.  فالأنا والآخر ينبثقان في علاقتهما ولا يكون الأنا أنا إلا بوجود الغير ( أنا آخر) والعكس صحيح كما أن الغير في حاجة دائما إلى النفوذ والعبور إلى باطن الأنا لاستكشاف غوامضه وأسراره، وإذن معرفة الذات مشروطة بوجود الآخر فها هنا تعي الذات نفسها وتتحدد وفق معيار التمايز عن الآخر فظهور الآخر أمام الذات يعني تحويله إلى موضوع، هذه هي اللحظة الأولى للنفي المتبادل: الذات تنفي الغير، والغير ينفي الذات، والنفي هنا معناه تحويل الآخر إلى موضوع، إذن العلاقة تشييئية صراعية كل واحد يشيء الآخر كما يقول سارتر: " عندما ينظر إلي الغير فهو يفرض نفسه خارجا عني ليحولني إلى شيء قادرا على تأويل سلوكي وإعطائه معنى قد لا يكون هو المعنى نفسه الذي أقصده، وبذلك أسقط تحت رحمته وسلكته".
 إن سارتر إذن يرجع العلاقة التشييئية إلى أن الغير يتحدد ك" لا- أنا" مما يعني السلب والنفي والانفصال حيث كل طرف يريد أن يشغل مركز العالم ومحطة الاهتمام، و بالمقابل يجب التأكيد أن الغير هو أنا آخر أي ذلك الأنا الذي يماثلني، إنه الغير الذي يتكون شيئا فشيئا كموضوع عن طريق مجموعة من التمثلات الأولية ولابد من التأكيد هنا على أن الغير ننظر إليه كأنا آخر في المشاعر والأفكار والإرادات على اعتبار أن الإرادات متشابهة ومتبادلة لذلك فالأنا يتجاوز حدود معرفة وإدراك تجربة الأنا إلى تجربة الغير.
وفي نفس السياق يرى ميرلوبنتي (1909-1961م) أنه بإمكاننا معرفة الغير معرفة مشروطة بالعالم ومتوقفة على ضرورة المشاركة في المشاعر والعواطف والأحاسيس. إن هذا نوع من الالتقاء بين ذاتي وذات الغير مما يفيد أنه يلزم علي أن أعود إلى ذاتي حين أريد معرفة الغير يقول: " إن معرفة  الغير تقتضي مني التعاطف معه، وذلك لأن الغير وعي لا أستطيع معرفته إلا إذا اعتبرته مثل ذاتي، وأنه يحس ويفكر ويتصرف تماما كما أفعل أنا في ظروف مماثلة". وإذن فلا يمكنني أن أفهم خوف الغير، وحزنه، وأمله وطموحه إن لم أشعر بأملي وحزني وطموحي فإذا لم أشارك الغير مشاعره فإنني لن أستطيع أن أعرف عنه الكثير. وإذن لمعرفة الغير فإن ميرلونتي يؤكد على ضرورة التعاطف معه كسبيل للشعور بما يشعر به الآخرون، إن وجود الإنسان حسبه ليس ذاتية منغلقة بل الغير يتواجد مع الذات في هذا العالم، إن الغير وعي يدرك العالم تماما كما أدركه.
وعلى النقيض من ذلك يرى  جيل دولوز ( 1925- 1995م) أن الغير هو بنية يحاول تنظيم نفسه وواقعه وإدراك مكوناته من جميع الجهات، وهو ما يفترض وجود الآخرين ليدركوا ما لم تستطع الذات إدراكه فما لا استطيع إدراكه يصبح مرئيا من طرف الآخر الذي هو الغير. بالتالي فالغير يصبح هنا بنية إدراكي لأنه يشاركني إدراك الأشياء ويكمل إدراكي لها. إذن فدو لوز يجرد الغير من معناه الفردي المشخص ويضمنه معنى بنيويا، فالغير بنية أي نظام من العلاقات والتفاعلات بين الأشخاص والأفراد كأغيار ومعنى هذا الكلام أنني كذات لا أدرك كل الأشياء المحيطة بي من كل جهاتها وهذا يفترض أن يكون ثمة آخرون يدركون ما لا أدركه، ولو اختفت بنية الغير لتغير معها معنى الأشياء والعالم أي تطابق الوعي بالموضوع وينطبق معه. وإذن نخلص إلى أن الغير بالنسبة لدولوز ليس أنا آخر.أي أنا  مغاير لأناي، بل هو عالم ممكن منفتح أمامي كي أكتشفه وأجربه.
هذه النظرة المعقدة للغير في علاقته بالأنا تظهر بشكل أكثر وضوحا مع الفيلسوف  مالبرانش الذي يؤكد أن الإحساس والمشاعر لا يمكن إدراكها في الغير إدراكا يقينيا ومباشرا على اعتبار أنها تبقى كما يقول تقريبية وتخمينية أي غير حدسية لأنها مبنية على العواطف وهذه الأخيرة كثيرا ما تكون عرضة للخطأ. إن هذا الافتراض يعني أنه بإمكان معرفة الغير عن طريق الاستدلال بالمماثلة، أي الالتقاء بذات الأنا وليس بأنا الغير عند مشاهدة حركات تعبير مشابهة لحركات التعبير الصادرة عني. إن معرفة الأنا لذاته تتخذ مرجعا لمعرفة الغير بالمماثلة وهي ليست سهلة استنادا على مفهوم اللاشعور الذي يقر ببعض الاختلاف بين الأنا والآخر.
يتضح  إذن من خلال ما سبق أهمية التعارض القائم بين المواقف السابقة ،فإذا كانت العلاقة المعرفية بين الأنا والغير تخمينية مبنية عن طريق الاستدلال بالمماثلة أي الالتقاء بذات الأنا عند مشاهدة حركات التعبير الصادرة عن الآخر والتي تشبهني، أو تواصلية مبنية على الشعور من خلال التعاطف مع الغير، فإن هذه المعرفة أي معرفة الغير تبقى مع ذلك مجرد علاقة وجود وإن هذا الاختلاف ليثبت أهمية فهم وتحديد عملية المعرفة التي تتسم بطابع التعقد.

 منهجية تحليل السؤال المفتوح

مطلب الفهم :
- ربط السؤال بالمجزوءة أو المجزوءات المعينة وذات العلاقة بالسؤال المطروح
- ربط السؤال بمفهوم أو مفهومين أو أكثر ثم بمحاور الدرس من خلال إبراز القضايا والمفاهيم التي يحيل عليها السؤال
- تمهيد وهو مدخل إلى الموضوع المطروح في السؤال المفتوح، ونبين فيه أن هذا الموضوع اختلفت حوله الآراء. ونذكر رأي الفريق الأول بوضوح، وكذلك رأي الفريق الثاني
- طــرح الإشكـال: وهو سؤال أو تساؤل نبين فيه موقف المؤيدون والمعارضون (هل .... ؟ أم ......؟)
 مطلب التحليل:
- شرح وتوضيح المفاهيم والمصطلحات الواردة في السؤال بشكل صريح وكذا التي يحيل عليها بشكل ضمني
- استحضار مختلف الأطروحات والمواقف التي تدافع عن القضية المطروحة في السؤال بوضوح تام
- عرض البراهين أي الحجج التي تؤيد صحة هذا الموقف
- النقــــــد: وهو تقييم موضوعي للموقف وبراهين القضية أو المواقف المعروضة .من حيث الصواب والخطأ
مطلب المناقشة:
- نقيـــض الأطروحة أي أننا نعرض رأي الفريق المعارض للأطروحة ( الناقض لها في الرأي وهم الخصوم)
-  عرض براهـــين النقيض: أي الحجج التي تؤيد صحة رأي الخصوم أي  نقيض القضية  - النقـــــــــد: وهو تقييم موضوعي لموقف وبراهين نقيض القضية أي الخصوم
مطلب التركيب :
 - خلاصة تركيبية للتحليل والمناقشة وهي حل للمشكلة المطروحة في السؤال أي الجواب الأخير وفيه نقوم بمحاولة التقريب بين الرأيين المتعارضين. أو إقامة شبه صلح بينهما واعتماد الرأي الوسط . أو بالإبقاء على ما اتفقا عليه وإسقاط ما اختلفا فيه أو نقوم بتجاوز الرأيين المتعارضين إلى موقف ثالث أصح منهما أو يمكن أن يشتركا فيه
- إبداء الرأي الشخصي
- فتح تساؤلات إشكالية ممكنة
 
 نموذج موضوع في السؤال المباشر (المفتوح)

هل يمكن تحقيق الموضوعية في العلوم الإنسانية؟
  يتأطر هذا السؤال ضمن  مجزوءة  "المعرفة"  بشكل عام وضمن المجال الإشكالي لمفهوم "العلوم الإنسانية"  بشكل خاص، حيث يطرح إشكالية  الموضوعية التي تعتبر إحدى المفاهيم المؤثرة في الحقل الابستمولوجي في مجال العلوم الإنسانية . وإذا كانت العلوم الطبيعية قد حققت نوعا من الموضوعية لاستقلال المواضيع الطبيعية عن ذات الإنسان فان الموضوعية في إطار العلوم الإنسانية مسألة جد معقدة مادام الأمر يتعلق بمواضيع إنسانية معقدة ومتشابكة وذات أبعاد بعديه لأن الظواهر الإنسانية من الإنسان واليه. لذلك فنحن أمام تداخل الذات العارفة مع موضوع المعرفة و ما يزيد من تعقد الوضع الابستمولوجي للعلوم الإنسانية هو تأرجحها  بين عمليتي التفسير والتنبؤ وهما عمليتان تكتسيان أهميتهما في مجال العلوم الطبيعية بوصفها علوم تستند إلى مبدأ السببية الحتمية الذي يمكنها من صياغة قوانين  ثابتة تفسر العلاقة بين الظواهر المدروسة.  فهل يمكن تحقيق الموضوعية في العلوم الإنسانية ؟ وهل تتحدد وظيفة النظرية العلمية في مجال العلوم  الإنسانية في الفهم أم في التفسير؟
         يشير مصطلح العلوم الإنسانية إلى مجموعة من العلوم التي تتخذ الإنسان كموضوع للدراسة بهدف الكشف عن أبعاده المختلفة في حياته: النفسية، الاجتماعية، الاقتصادية، التاريخية، والسياسية... أو التي تشكل الظواهر الإنسانية مجال بحثها. إنها العلوم التي تميز الإنسان في مقابل بقية العلوم الطبيعية، وكان ميلاد هذه العلوم متأخرا بالمقارنة مع الرياضيات وباقي العلوم التجريبية، وجاءت كدعوة للعودة إلى الذات الإنسانية التي أغفلتها التصورات العلمية التجريبية ولتجيب عن مجموعة من التساؤلات التي تولدت مع ضرورة فهم الإنسان والتحكم فيه وفق تصور عقلاني  كما هو الشأن بالنسبة  مع باقي العلوم الأخرى
        وفي هذا السياق يرى لوسيان غولدمان أن الإنسان هو موضوع العلوم الإنسانية والموضوعية  تلاقي صعوبات لأن الدارس هو الإنسان والمدروس هو الإنسان وبالتالي يصعب الفصل بين الذات والموضوع  فغولدمان يقر بأن العلوم الإنسانية ( علم النفس، علم الاجتماع، التاريخ...) تبقى عاجزة عن استيفاء شرط الموضوعية لأن الظواهر الإنسانية تتميز بتعقد وتنوع الأسباب المؤدية لظهورها وسرعة تغيرها وصعوبة عزل الباحث عن المجتمع فهو جزء من المجتمع ولابد أن يتأثر بالظواهر الموجودة فيه، لذلك فالباحث في العلوم الإنسانية لا يستطيع التخلص من أحكامه القبلية ومواقفه المضمرة ونوازعه اللاواعية، انه لا يوجد في العلوم الفيزيائية والطبيعية  مجموع منسجم للطبيعة إلا بفضل استدلالات تكمل معطيات التجربة بواسطة منظومة من الفرضيات، أما في العلوم الإنسانية فإن مجموع الحياة النفسية تمثل في كل مكان معطى أوليا وأساسيا فالطبيعة نفسرها والحياة النفسية نفهمها.
        وفي نفس الاتجاه تذهب رينييه بوفريس من خلال التأكيد مسبقا على صعوبة تحقيق الموضوعية في العلوم الإنسانية لأسباب تتصل بطبيعة الظواهر الإنسانية لأن الروح العلمية المتصفة بالموضوعية تختلف عن الفلسفة التي اهتمت بالتأملات الميتافيزيقية التي تبتعد عن المادة والحياة وهذا ما يظهر مع الاتجاه الوضعي الذي يحصر الإنسان في الميتافيزيقا ويؤسس لتوجيه الفكر نحو الأمور الواقعية ورفع مكانة التجربة بحيث تصبح هي صاحبة  القول الفصل في كل معرفة فالتصورات التي ينبغي أن تفسر الوجود والواقع تستمد من الوقائع التي يتكون منها هذا المجال أما مضمونات التصورات الفلسفية التي تحاول أن تصل إلى أبعد من ذلك فينبغي استبعادها . ونظرا لما تؤدي إليه الأوضاع من تداخل بين الذات والموضوع تنشأ في العلوم الإنسانية صعوبات إزاحة التمركز الذاتي التي هي ضرورية لتحقيق الموضوعية لأنه كلما زادت ملاحظة ظواهر ما يجب على الملاحظ أن يدرسها من الخارج  ولأن الملاحظ يكون أكثر ميلا إلى الاعتقاد بأنه يعرف الوقائع حدسيا.
       هذا من جهة ، أما من جهة أخرى فإن غاستون غرا نجي يميز بين موقفين معرفيين في تعامل العقل الإنساني مع الظواهر الإنسانية هما التفسير والفهم. ومعلوم أن العلوم الطبيعية ارتبطت بالتفسير لأن وظيفة النظرية العلمية تعتبر أن وظيفة العلم هو الكشف عن العلاقات  الثابتة الكامنة في القوانين العلمية في حين أن الفهم يرتبط بالعلوم الإنسانية لأن الظواهر المادية الخارجية تقبل التفسير بسبب خضوعها  لحتمية طبيعية أما الظواهر الإنسانية فهي عبارة عن فعالية روحية تتميز عن المادة بتواجد الوعي وتداخل الإرادة مما يقتضي اعتماد الفهم في دراستها بدل التفسير الآلي لذلك فالمناهج التي تدرس بها الحياة الروحية والتاريخ والمجتمع تختلف عن المناهج التي تقود إلى معرفة الطبيعة لذا كان لابد في نظر غرا نجي من التخلي عن التفسير والتأكيد على الفهم كفعالية عقلية تأويلية مدركة لدلالة الظاهرة الإنسانية في وحدتها وكليتها.
       يتضح من خلال المواقف السابقة أهمية النقاش الإبستمولوجي بصدد نموذجية العلوم التجريبية بالنسبة للعلوم الإنسانية فإذا كان التفسير يمثل طريقة ملائمة من شأنها أن تسفر عن نتائج ترقى إلى دقة القوانين من منظور وضعي مأخوذ بنجاح المنهج التجريبي في العلوم الطبيعية ، فإن تصورات  أخرى تركز على خصوصية الظاهرة الإنسانية التي تستوجب الفهم بديلا للتفسير. ومن الواضح أن هذا الاختلاف يرجع إلى درجة من الوعي الذي تتمتع به العلوم الإنسانية ففي العلوم الطبيعية يلعب الإنسان دور الملاحظ ويمثل العالم الخارجي موضوع الملاحظة. أما في العلوم الإنسانية فهاهنا ثنائية الإنسان الملاحظ والموضوع الملاحظ.

 دروس السنة الثانية باك - الثانية بكالوريا


مجـزوءة  الوضـع البـشري
مـدخـــل عــام :
إن شخصية الإنسان تظهر في أفكاره الفردية ومشاعره وأفعاله التي تميزه ويتحدد بمقتضاها أسلوبه الخاص في التكيف مع المحيط فيظهر بعدها الاجتماعي منذ الرضاعة، عندما يبدأ الفرد بتشكيل أساليبه في التواصل مع الآخرين وأنماط تفكيره ومشاعره الخاصة حول الناس وحول نفسه لذلك تتكامل الأنماط الخاصة للتعبير في اتجاهات اجتماعية مميزة للفرد يقول تارانس واتس: " إن شخصية الإنسان تكونها ثلاثة عوامل، البيئة، الحالية التي يعيش فيها، الفرد، تاريخ الفرد الشخصي، وجيناته الموروثة".
الإنسان كائن اجتماعي واجتماعيته هذه تعني وتقتضي التفاعل مع الآخرين أي مع الغير لأنه ببساطة ذلك التشبيه المختلف، إنه تشبيهي ما دام يشاطرني كثيرا من الصفات العامة ( الفيزيولوجية، النفسية، السلوكية...) لكنه لا يفتأ يؤكد- ضمن التشابه- اختلافه عني في مؤهلاته ورغباته ومشاريعه. لقد عرف الفيلسوف جون بول سارتر ( 1905-1980) الغير بأنه " الآخر، الأنا الذي ليس أنا" أي ذلك الوعي وتلك الذات المباينة، المنفصلة عن ذاتي ووعيي..
إن الوضع البشري يفترض أطروحة الأنا/ الذات في مقابل الآخر/ المختلف، لذلك فالإنسان لا يستطيع أن يفهم نفسه وحاضره دون أن يفهم الماضي، ومعرفة الماضي تكسبه خبرة السنوات الماضية الطويلة داخل منظومة التاريخ لأن التأمل في الماضي يبعد الإنسان عن ذاته فيرى ما لا يراه في نفسه بسهولة، ويجعل ذلك أقدر على فهم نفسه وحسن تصرفه في الحاضر والمستقبل بعد أن يستفيد من خبرة الماضي، باعتباره كائنا اجتماعيا ينبغي عليه أن يعرف تاريخ تطوره وتاريخ أعماله وآثاره ليدرك من يكون وإلى من ينتمي. فهل يمكن فهم وتفسير حقيقة الشخص من خلال الاقتصار على هويته باعتباره أنا ثابت وماهوي؟ أم بحكم الشروط والأنظمة النفسية والاجتماعية الموضوعية التي تشرط وجوده وحياته وتصوراته ؟ كيف يمكن لذاتي أن تدرك وجود الذوات الأخرى؟ ما علاقة وجود الغير بوجودي؟ إذا كان الإنسان ينتمي إلى صيرورة وعمق التاريخ ولا يتحدد إلا بوصفه كائنا تاريخيا فهل يمكن جعل وقائع التاريخ موضوع معرفة علمية؟ وهل يحقق التاريخ الحرية والعقل واستيفاء ماهية الإنسان؟
I-    الشـــخــــص:

دلالات المــفـــهــوم :
الدلالة العامية:
يدل الشخص في دلالته العامية على الإنسان بما هو ذات واعية وعاقلة قادرة على التمييز بين الخير والشر وبين الصدق والكذب وتتحمل مسؤولية أفعالها . كما انه قد يستعمل في حالات كثيرة لفظ الشخص كمرادف للشخصية دون تمييز
الدلالة اللغوية:
في اللغة لعربية يدل على كل الصفات التي تميز كل إنسان أي كل ما غي الفرد مما يؤلف شخصه الطاهر الذي يرى من بعد كما يدل على مفهوم التفاوت والاختلاف والتباين . كما يعني البدن والضخم والشخص كل جسم له ارتفاع وظهور والمراد به إثبات الذات (لسان العرب)
أما في اللغة الفرنسية والانجليزية المشتق من اللاتينية persona   فيعني القناع الذي كان يضعه الممثل على وجهه كي يتناسب مظهره مع الدور الذي يقوم به فوق خشبة المسرح  
الدلالة الفلسفية:
يشير الشخص في مضمونه الفلسفي إلى ذلك النظام الكامل من الميولات والاستعدادات الجسمية والعقلية الثابتة نسبيا التي تعد مميزا خاصا للفرد والتي يتحدد بمقتضاها أسلوبه الخاص في التكيف مع البيئة المادية والاجتماعية . انه التنظيم الثابت المستمر نسبيا لخلق الشخص ومزاجه وعقله وجسده . معنى هذا ان الشخص هو الجوهر والماهية في حين تصبح الشخصية ذلك المظهر أو التعبير الخارجي عن حقيقة الشخص وأصالته
 المحور الأول : الشخص والهوية :
إشكالية المحور :
ألا يمكن تحديد الشخص بوصفه ذلك المبدأ الذي يضمن تماسك وانسجام الذات دون اختزاله إلى جوهر ثابت؟ هل تكفي الذاكرة في ضمان استمرارية الوعي بالمطابقة مع الذات أم إن الغير يلعب دورا نسبيا في هذا الشعور بالهوية والاستمرارية؟
أطروحة جول لاشوليي:
أن الشعور يعني ما يحدث للشيء من تغير نتيجة تأثير شيء آخر وبهذا يكون الشعور حالة تغير (أرسطو 348- 322 ق م) والتغير هنا يعتري سلوك الفرد المزاجي مصحوب بإثارة وجدانية معينة ونزوح نحو سلوك معين وقد يتخذ أشكال معينة (المزاج الانفعالي) أهمها:1- العاطفة ( الشفقة والرأفة، اللذة، الحب، الكبرياء، التواضع...) 2- الهوى: ( ميل النفس إلى الشهوة، العشق...) 3- الهيجان ( الغضب الذي يبدو في تقطب الحاجبين، جحوظ العينين، احمرار الوجه...) وهذا ما يؤثر على الذاكرة التي هي تلك القدرة على الاحتفاظ بالآثار لفترة زمنية ( الذاكرة القصيرة الأمد، الطويلة الأمد...) والذاكرة مؤلفة من ( التذكر- الاحتفاظ- الاسترجاع- النسيان). إن معرفتنا للعالم الخارجي أو البيئة المحيطة بنا أو المعرفة التي نتلقاها لا يمكن أن تشكل جزءا من خبرتنا ما لم نقم بترميزها لذلك نقوم بإدخالها وتذكرها ونقلها إلى لغة رمزية ومستويات رمزية (الذكريات والخبرات). نخلص إلى أن الذاكرة تخضع للإدارة الذاتية للإنسان ( الأنا الماهوي) بالتالي تكون ( الذاكرة) بما تحتفظ به من ذكريات، سلسلة مترابطة الأطراف وعبر حالاتنا النفسية السابقة وهكذا يمتد وعينا التذكري في الماضي ويرتبط بالحاضر لأن الشخص بطبعه وذاكرته يحصل بعض الخبرات ويستغيث بها لتحقيق التكيف مع الوسط والمحيط الذي يعيش فيه وهذا ما يفسر الطابع المتطور للسلوك الإنساني.
أطروحة سيغمون فرويد:
يرى العالم النفساني سيغمون فرويد (1856- 1939م) أن الشخصية في الأعماق بناء ثلاثي التكوين، وأن كل جانب في هذا التكوين يتمتع بصفات وميزات خاصة، أن الجوانب الثلاثة تؤلف في النهاية وحدة متفاعلة ومتماسكة، هذه الجوانب الثلاثة هي : الهو، الأنا، الأنا الأعلى.
الهو: منطقة لا شعورية يحمل  مختلف الغرائز ومن بينها غرائز اللذة والحياة والموت، وما هو موجود في الواقع لا يخضع له يعني أنه لا يخضع لمبادئ العلاقات المنطقية للأشياء بل يندفع بمبدأ اللذة وكثيرا ما ينطوي على دوافع متضاربة، إنه لا شعوري وهو يمثل الطبيعة الابتدائية والحيوانية في الإنسان.أما الأنا فإنه يخضع لمبدأ الواقع ويفكر تفكيرا واقعيا موضوعيا ومعقولا لا يسعى فيه إلى أن يكون متمشيا مع الأوضاع الاجتماعية المقبولة، هكذا يقوم الأنا بعملين أساسيين في نفس الوقت، أحدهما أن يحمي الشخصية من الأخطار التي تهددها في العالم الخارجي، والثاني أن يوفر نشر التوتر الداخلي واستخدامه في سبيل إشباع الغرائز التي يحملها الهو وفي سبيل تحقيق الغرض الأول يكون على الأنا أن يسيطر على الغرائز ويضبطها لأن إشباعها بالطريقة الابتدائية المرتبطة معها يمكن أن يؤدي إلى خطر على الشخص فالاعتداء على الآخرين بتأثير التوتر الناشئ عن الغضب يمكن أن يؤدي إلى رد الآخرين ردا يمكن أن يكون خطرا على حياة المعتدي نفسه وهكذا يقرر الأنا (متى) و (أين) و (كيف) يمكن لدافع ما أن يحقق غرضه أي إن على (الأنا)  أن يحتفظ بالتوتر حتى يجد الموضوع المناسب لنشره. وهكذا يعمل الأنا طبقا لمبدأ (الواقع) مخضعا مبدأ اللذة لحكمه مؤقتا. الأنا الأعلى يمثل منطقة لا شعورية في الشخص فهو الضمير المحاسب وهو يتجه نحو الكمال بدل اللذة لذلك فالأنا الأعلى له مظهران، الضمير والأنا المثالي.يمثل الأول الحاكم بينما يمثل الثاني القيم وعمله ممارسة الرقابة على الدوافع اللاشعورية الكامنة في الهو وذلك بواسطة القيم العليا والقواعد الأخلاقية والاجتماعية والأوامر والنواهي التربوية.
واضح إذن أن الأنا هو الذي يوجه وينظم عمليات تكيف الشخصية مع البيئة، كما ينظم ويضبط الدوافع التي تدفع بالشخص إلى العمل ويسعى جاهدا إلى الوصول بالشخصية إلى الأهداف المرسومة التي يقبلها الواقع، والمبدأ في كل ذلك هو الواقع إلا أنه مقيد في هذه العمليات بما ينطوي عليه (الهو) من حاجيات، وما يصدر عن (الأنا الأعلى) من أوامر ونواهي وتوجيهات فإذا عجز عن تأدية مهمته والتوفيق بين ما يتطلبه العالم الخارجي وما يتطلبه (الهو) وما يمليه (الأنا الأعلى) كان في حالة من الصراع يحدث أحيانا أن يقوده إلى الاضطرابات النفسية.
المحور الثاني: الشخص بوصفه قيمة
إشكالية المحور :
من الذي يحدد شخصية الإنسان، هل هو الوعي المتحرر من الحتميات الداخلية ( البيولوجية، السيكولوجية) والحتميات الخارجية (الأسباب الطبيعية) أم هو شيء خارج الإنسان؟ هل تكمن قيمة الشخص في كونه غاية أم مجرد وسيلة؟
أطروحة مونيي:
كجواب على هذا الإشكال، يتقدم ايمانويل مونيي  بأطروحة مفادها الفصل بين الوعي الإنساني، الفردي والوعي الإنساني الجماعي. إن الوعي الفردي متحرر من قوانين الجماعي لأن الفرد لا يمتلك تغيير ما هو مجتمعي إلا من خلال الفردي لأن ما يغير العالم الخارجي هو الفعل الإنساني الذي يمتلك الإرادة والوعي والذي لا يخضع  لمنطق العبث، وإنما تحكمه مجمل التصورات الذهنية التي تقود الفرد إلى الشعور بالإدراك ومن تم الفعل الإنساني لأن الشخص ليس معطى ثابتا نهائيا بل هو عملية اكتساب ومراكمة مستمرة لسماته الخاصة. إذن لا يمكن إجراء تغيير في الواقع بواسطة الإنسان ما لم يتم الاشتغال على مجمل تصوراته الذهنية الراسخة مع ضرورة الأخذ بالحسبان الشرط الخارجي من حيث علاقته الجدلية مع هذا الوعي لأن عالم الإنسان هو العالم الذي يتكون بفعل إرادة الإنسان الواعية لأنه لا يمكن أن يحدث أي انبعاث ما، والوعي أسير الحتميات بأنواعها، لذلك فالكائن هو الأساس الحتمي للشخص، إنه ما يصير شخصا، فظهور الكائن هو نقطة البداية لتكوين الشخص ومنه ينبثق الفرد والشخص، وبتقدم السن تتحول هذه الشخصية عبر التشخصن ( أي اكتساب الشخص لسماته وصفاته المميزة) إلى شخصيات أخرى ومن مجموعها يتكون الشخص وبدوره يصبو إلى الإنسان، إذن هنالك ثلاثة مراحل: الكائن فالفرد مرورا بالشخص، فالإنسان مركب من الكائن والشخص إنه الوجود الأول ومنه تنبثق الشخصية  أن الشخصية تحرر من الوجود الطبيعي الأول ونزوع نحو الإنسان لذلك فالشخص هو المتميز عن غيره، يتحرر من كل ما يعيق تطوره الشخصي (العالم الخارجي) يبدأ وعيه بالتحرر من كل ما يعيق تطوره بالتحرر من كل القيود المحيطة به إذن الإنسان هو الكائن الذي بلغ تشخصنه درجة من النمو إن أهم ما يميز الإنسان عن الفرد هو امتلاكه لهدف ما. لغاية وقيمة يريد تحقيقها، بعد أن حقق وجوده في مرحلة التشخصن بشخص فاعل ومبدع وحر والغاية هو أن الإنسان وحده دينامية منفتحة على الصيرورة.
نخلص من هذا التحليل إلى أن الشخص حسب إيمانويل مونيي يكتسب قيمة وغايته من ذلك النشاط المعيشي الخاضع للتطور باستمرار من خلال الإبداع الذاتي والتواصل والانخراط مع المحيط من خلال دينامية وحركة الشخصنة.
أطروحة  كانط :
يؤكد الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (1724-1804م) أن ما يجعل من الشخص إنسانا ويميزه على الحيوان والأشياء الأخرى هو ما يتمتع به من كرامة وحرية، فالذات مع كانط ستصبح متحررة من قوانين الطبيعة لأنها أمست تمتلك شيئا ثمينا ألا وهو الوعي الأخلاقي العملي وهو الكرامة يقول : " إن الإنسان يوجد كغاية في ذاته ولا يوجد كمجرد وسيلة يمكن أن تستخدمها هذه الإرادة أو تلك على هواها، ففي جميع الأفعال التي تختص بها ذاته كما في تلك التي تختص بالكائنات الأخرى يجب دائما اعتبار الإنسان غاية في ذاته ". واضح إذن أن الشخص أنا عاقل هو أساس بناء الشخصية الإنسانية، وبتعبير آخر سيبني كانط الشخص على أساس الوعي الأخلاقي ويظهر ذلك من خلال المقارنة التي أجراها بين الموجودات العاقلة والموجودات الطبيعية، فالموجودات العاقلة تتميز بالعقل، الإرادة الحرية والكرامة، في حين أن الموجودات غير العاقلة تتحدد في كونها تستخدم كوسيلة لا كغاية. إن الشخصية تقيم فصلا كاملا بين الإنسان والأشياء من حيث الكرامة، وبالحرية التي تخرجه عن كل الاكراهات الطبيعية إن وعي الإنسان بكونه شخصا أخلاقيا يمتلك كرامة يؤدي إلى عدم تفكيره في النتيجة من السلوك وتركيزه على الفضيلة وعدم سعيه إلى تحقيق أهدافه الذاتية بطرق دنيئة ولا أخلاقية. أما ما يترتب على كون الشخص يتمتع بالكرامة هو أنه سيصبح جديرا بالاحترام هذا الاحترام للذات واجب على كل إنسان اتجاه ذاته.
المحور الثالث: الشخص بين الضرورة والحرية
إشكالية المحور :
هل الشخص ذات حرة أم كيان خاضع لاشراطات وحتميات؟ هل يبقى الوعي الإنساني ذاته خارج حتميات الطبيعة والمحددات الاجتماعية؟ بأي معنى يمكن اعتبار ماهية الإنسان هي الحرية؟
أطروحة سبينوزا:
إن مفهوم الضرورة عند سيبنوزا (1632-1677م) لا يتعارض مع فكرة حرية الإنسان فالحرية حسبه وكما يدركها العقل ليست قائمة في استقلال الإنسان عن القوانين الطبيعية، ليست قائمة في تخيله بأنه من الممكن أن يحيى بدون إكراه طبيعي، أي بدون أن يكون خاضعا لأية قوانين  طبيعية، إن حرية الإنسان تتحقق عندما يفهم القوانين الطبيعية يسري عليه في ميوله ورغباته وفي انفعالاته كلها ما يسري على الظواهر الطبيعية. إن هذا معناه أن الإنسان جزء من الطبيعة ويخضع لقوانين ضرورية تنطبق عليه كما تنطبق على جميع الكائنات وظواهر الطبيعة، والسؤال هنا: هل يبقى الإنسان حرا إذا كان  يخضع لقوانين حتمية؟ وبعبارة أخرى هل تتعارض فكرة الضرورة مع فكرة حرية الإنسان؟
إن الإنسان حسبه لا يمكن أن يكون حرا بكيفية مطلقة ولكن بإمكانه أن يتحرر بالتدريج عن طريق فهم عقلي للضرورة التي تشمله وتحيط به. ليست الحرية إذن هي التحرر المطلق من جميع قوانين الطبيعة ولكن هي التحرر التدريجي عن طريق فهم ومعرفة وتعقل قوانين الطبيعة والاستفادة منها في تغيير شروط وجود الإنسان. إذن عند سيبنوزا لا يصح الكلام عن حرية ولكن عن تحرر فحتى هذا التحرر يبقى محدودا من الناحية الميتافيزيقية لذلك يجب أن يتخلى عنه الإنسان حتى يحيى حياة واقعية وسعيدة.
اطروحة سارتر:
تنطلق الوجودية كفلسفة إنسانية بامتياز من اعتبار الإنسان ذاتية محضة والذاتية عند الوجوديين معناها أن الإنسان هو وحده الذي يخلق ذاته بمطلق حريته. إن الإنسان ليس كائنا انفراديا منغلقا على نفسه لأنه ماهية ناقصة في حاجة إلى الانفتاح على الغير. لذلك يؤكد سارتر على أن الإنسان حر وأن له الحق أن يكون (هوهو) فوجوده سابق على ماهيته، لأنه يوجد أولا ثم يختار ماهيته، أي يختار ما يكونه كشخص ( شجاع، جبان، كسول، مجتهد...) وهذا معناه أننا لا نختار تركيب الجسد ولكننا نختار أفعالنا ومصيرنا، إنه على الإنسان أن يفعل دائما كي يعبر عن وجوده، فالتوقف عن الفعل هو التوقف عن الوجود،والاختيار يقتضي بدوره الحرية فلا اختيار بدون حرية.
فوجود الإنسان لا يتحقق إلا بالفعل والاختيار، فالموجود الحر فقط هو من يختار يقول سارتر: " إن الحرية ليست صفة مضافة أو خاصية من خصائص طبيعتي، إنها تماما نسيج وجودي" إن الحرية هنا تصبح هي تجاوز الإنسان لحاضره وماضيه وارتمائه نحو المستقبل، الإنسان إذن مشروع، إنه انفصال عما هو كائن واتجاه نحو ما لم يكن بعد، إن الشخص بفعل وعيه وحريته يستطيع أن يختار شخصيته وفقا لنموذج يرضى عنه ويكون كما أراد. وهكذا يبدو أن الإنسان بما هو إنسان لا طبيعة له وليست له ماهية محددة بل ماهيته هي الحرية نفسها.
 
II- الغـــــيــــــــر
دلالات المفـــهــوم :
الدلالة العامية:
الغير هو المختلف عن الأنا إما اثنيا أو ثقافيا أو قرابيا أو لغويا أو طبقيا (كل من ليس مثلي أو شبيهي) الذي لايشاركني نفس الانتماء الثقافي والعرقي... هو الأجنبي المخالف للنحن  . هم الآخرون من الناس . يتحدد هنا الغير بمعنى السلب فهو من ليس الذات أو الأنا ومن ليس الأقارب . لذلك نجد ثلاث مواقف من الآخر: موقف اللامبالاة وعدم الاكتراث (الغير مجهول ونكرة) وموقف المواجهة الرمزية أو الملموسة ( حين يأخذ الغير وجه المنافس الخصم أو العدو) وموقف التآخي (الآخر شبيه للذات )
الدلالة اللغوية:
في  العربية  الغير مشتق من التغير أي الاختلاف فالغير هنا هو المخالف والمغاير والمباين والمنفي والمتحول وفي الفرنسية autrui  مشتق من الجذر اللاتيني alter   الذي يعني الآخر l autre " الغير هم الآخرون من الناس بوجه عام "  والآخر هو " من ليس نفس الشخص وما ليس نفس الشيئ ... والمتميز... والمختلف ... " (معجم روبير)
الدلالة الفلسفية :
الغير يتحدد هنا على نحو دقيق على اعتبار أن الغير هو" الأنا الذي ليس إنا " انه الشبيه المختلف : انه شبيهي مادام يشاطرني الكثير من الصفات الفيزيولوجية والنفسية لكن في المقابل فهو يختلف عني في مؤهلاته ورغباته وأفكاره ومشاعره
المحور الأول: وجــود الغــيـر
إشكالية المحور :
كيف يمكن لذاتي أن تدرك وجود الذوات الأخرى؟ ما علاقة وجود الغير بوجودي؟ بأي معنى يمكن اعتبار الغير هو أنا آخر؟
أطروحة سارتر:
يرى ج بول سارتر (1905-1980م) أن معرفة الذات مشروطة بوجود الآخر فها هنا تعي الذات نفسها وتتحدد وفق معيار التمايز عن الآخر فظهور الآخر أمام الذات يعني تحويله إلى موضوع، هذه هي اللحظة الأولى للنفي المتبادل: الذات تنفي الغير، والغير ينفي الذات، والنفي هنا معناه تحويل الآخر إلى موضوع، إذن العلاقة تشييئية صراعية كل واحد بشيء الآخر يقول سارتر: " عندما ينظر إلي الغير فهو يفرض نفسه خارجا عني ليحولني إلى شيء قادرا على تأويل سلوكي وإعطائه معنى قد لا يكون هو المعنى نفسه الذي أقصده، وبذلك أسقط تحت رحمته وسلطته" إن سارتر إذن يرجع العلاقة التشييئية إلى أن الغير يتحدد ك " لا- أنا" مما يعني السلب والنفي والانفصال حيث كل طرف يريد أن يشغل مركز العالم ومحطة الاهتمام، لكن بالمقابل يجب التأكيد أن الغير هو أنا آخر أي ذلك الأنا الذي يماثلني، إنه الغير الذي يتكون شيئا فشيئا كموضوع عن طريق مجموعة من التمثلات الأولية ولابد من التأكيد هنا على أن الغير ننظر إليه كأنا آخر في المشاعر والأفكار والإرادات على اعتبار أن الإرادات متشابهة ومتبادلة لذلك فالأنا يتجاوز حدود معرفة وإدراك تجربة الأنا إلى تجربة الغير.
أطروحة جيل دولوز:
إن الغير في رأي الفيلسوف جيل دولوز ( 1925- 1995م) هو بنية يحاول تنظيم نفسه وواقعه وإدراك مكوناته من جميع الجهات، وهو ما يفترض وجود الآخرين ليدركوا ما لم تستطع الذات إدراكه فما لا استطيع إدراكه يصبح مرئيا من طرف الآخر الذي هو الغير. بالتالي فالغير يصبح هنا بنية إدراكي لأنه يشاركني إدراك الأشياء ويكمل إدراكي لها. إذن فدو لوز يجرد الغير من معناه الفردي المشخص ويضمنه معنى بنيويا، فالغير بنية أي نظام من العلاقات والتفاعلات بين الأشخاص والأفراد كأغيار ومعنى هذا الكلام أنني كذات لا أدرك كل الأشياء المحيطة بي  من كل جهاتها وهذا يفترض أن يكون ثمة آخرون يدركون ما لا أدركه، إذن فالغير يشاركني إدراك الأشياء ويكمل إدراكي  لها، ولو اختفت بنية الغير لتغير معها معنى الأشياء والعالم أي تطابق الوعي بالموضوع وينطبق معه. وإذن نخلص إلى أن الغير بالنسبة لدولوز   ليس أنا آخر.أي أنا  مغاير لأناي، بل هو عالم ممكن منفتح أمامي كي أكتشفه وأجربه.
المحور الثاني: معرفة الغير:
إشكالية المحور :
هل معرفة الغير ممكنة أم مستحيلة؟ هل الأنا بحاجة إلى العبور والنفوذ إلى باطن الغير لاستجلاء غوامضه وأسراره؟
أطروحة مالبرانش :
ينطلق هذا الفيلسوف في استعراض أطروحته من التصور العقلاني للأنا أفكر الذي يجعل من الذات حقيقة واضحة ومتميزة، هذا التصور القائم على أسس فلسفة ديكارت الذاتية التي تؤمن بوحدانية الذات أو الأنا  أي " أنا وحدوي موجود" فكل ما أكون متيقنا منه هو أنني وحدي موجود أما وجود الغير أو الأنا الآخر، فهو افتراضي استدلالي قابل للشك، محتمل وجائز التوصل إلى وجوده، على أسس هذا التوجه  العقلاني يبني مالبرانش نظرته للغير مؤكدا أن الإحساس والمشاعر لا يمكن إدراكها في الغير في إدراكا يقينيا ومباشرا على اعتبار أنها تبقى كما يقول تقريبية وتخمينية أي غير حدسية لأنها مبنية على العواطف وهذه الأخيرة كثيرا ما تكون عرضة للخطأ، إن هذا الافتراض يعني أنه بإمكان معرفة الغير عن طريق الاستدلال بالمماثلة، أي الالتقاء بذات الأنا وليس بأنا الغير عند مشاهدة حركات تعبير مشابهة لحركات التعبير الصادرة عني. إن معرفة الأنا لذاته تتخذ مرجعا لمعرفة الغير بالمماثلة ليست سهلة استنادا على مفهوم اللاشعور الذي يقر ببعض الاختلاف بين الأنا والغير، لكن أليس الأنا الآخر (الغير) شبيه بالأنا ومماثلا له في طبيعته وجوهره؟
أطروحة ميرلونتيي:
يرى ميرلونتيي (1909-1961م) أنه بإمكاننا معرفة الغير معرفة مشروطة بالعالم ومتوقفة على ضرورة المشاركة في المشاعر والعواطف والأحاسيس. إن هذا نوع من الالتقاء بين ذاتي وذات الغير مما يفيد أنه يلزم علي أن أعود إلى ذاتي حين أريد معرفة الغير يقول: " إن معرفة  الغير تقتضي مني التعاطف معه، وذلك لأن الغير وعي لا أستطيع معرفته إلا إذا اعتبرته مثل ذاتي، وأنه يحس ويفكر ويتصرف تماما كما أفعل أنا في ظروف مماثلة". وإذن فلا يمكنني أن أفهم خوف الغير، وحزنه، وأمله وطموحه إن لم أشعر بأملي وحزني وطموحي فإذا لم أشارك الغير مشاعره فإنني لن أستطيع أن أعرف عنه الكثير. وإذن لمعرفة الغير فإن ميرلوبنتي يؤكد على ضرورة التعاطف معه كسبيل للشعور بما يشعر به الآخرون، إن وجود الإنسان حسبه ليس ذاتية منغلقة بل الغير يتواجد مع الذات في هذا العالم، إن الغير وعي يدرك العالم تماما كما أدركه.
المحور الثالث: العلاقة مع الغير
إشكالية المحور :
.هل العلاقة مع الغير هي علاقة تكامل أم تنافر؟ كيف أتعرف على غيرية الغير وكيف أقرأها؟ هل الصداقة علاقة محبة احترام وتسامح أم هي علاقة إقصاء ونبذ؟
أطروحة أرسطو:
 إن الصداقة حسب أرسطو (384-322 ق م) ثلاثة أنواع: صداقة المتعة حيث الجامع شيء أو موضوع للمتعة المشتركة، صداقة المنفعة حيث الرابط هو المنفعة المتبادلة ثم الصداقة الحقيقية وهي صداقة الفضيلة التي تقوم على حب الغير لذاته وللأصدقاء، دون أن نلغي إمكانية حضور المتعة والفائدة كنتيجتين لا غايتين، لذلك فأرسطو يؤكد بأن الصديق الجدير بهذا الاسم هو ذاك الذي إن خاطبته كدت تقول: " يا أنا" من حيث إنه " إنسان هو أنت لكنه بالشخص غيرك"، معنى هذا أننا نعثر في الصديق على ذاتنا لما بيننا من تشابه وتطابق. إن أرسطو يرى أن الصداقة ضرورية في الحياة إذ لا أحد من الناس يرغب في العيش بدون صداقة حتى ولو كان ينعم بجميع الخيرات لأن حتى الأغنياء يحتاجون إلى الأصدقاء من أجل إسداد الخيرات لهم، هذا الفعل الذي يجلب لهم المدح والثناء فيجعلهم يحسون بكيانهم وقيمة مكانتهم الاجتماعية وبما أن الصداقة هي أخذ  وعطاء فحتى الفقراء يحتاجون إليها  إذ تعتبر ملاذا يلجئون إليها من أجل التخفيف من نوائب الحياة ومشاكل العيش إذن بالنسبة لأرسطو فالصداقة رمز استمرارية الإنسان ومصدر قوته على التفكير والعمل ورابطة تجمع بين الناس داخل المجتمع، ولو سادت الصداقة الحقة في المدن لما احتاج أهلها إلى العدالة والقوانين لكن هل يمكن القبول بهذا التصور أم أن هنالك مواقف أخرى معارضة؟
أطروحة الكسندر كوجيف:
إن الوعي حسب الكسندر كوجيف ( 1902-1968م) ليس كيانا ميتافيزيقيا مجردا ثابتا أو معطى أول إنه بالأحرى كيان ينمو ويتطور في علاقته بالغير (وعي الذات الأخرى) إن كل كائن يحمل نقيضه كشرط لوجوده ومن ثم فالوعي يحمل بالضرورة نقيضه كعنصر سلب ونفي متمثل في ما سواه إن الأنا يبدأ في اكتشاف الغير وهذا الاكتشاف لا يتجاوز درجة الإحساس المباشر بالذات التي تظل مع ذلك منغمسة وغارقة في الطبيعة بعبارة أوضح إن الوعي  لا ينبثق من خلال العلاقة المباشرة للأنا بذاته بل عبر آخر يتوسط بينه وبين ذاته لن يكون هذا الآخر في المرحلة التالية سوى الغير أو الذات الأخرى التي يتعين أن يكتشف الأنا نفسه فيها من خلال اعترافها به، هكذا ينتقل الأنا من الرغبة في شيء طبيعي إلى الرغبة في رغبة أخرى هي هذا الاعتراف الذي لا يمنح بشكل سلمي لأنه اعتراف منشود من الطرفين معا، وهنا تنشأ أولى أشكال العلاقة، علاقة السيد بالعبد علاقة يحاول كل واحد أن ينتصر فيها على الآخر إن السيد والعبد وجهان لعملة واحدة هي وعي الذات الأول وعي خالص لذاته، والثاني وعي تابع أو " وجود – من – أجل- الغير" . وإذن كل علاقة من هذا القبيل هي نشدان الاعتراف أو بالأحرى انتزاع له وفرض للهيمنة. إن الغير ضروري إذن لنمو الوعي وظهوره فهي يستطيع أحدنا أن يعتبر نفسه ذكيا أو بليدا ودودا أو حقودا، جميلا أو ذميما من غير أن نكون قد استخلصنا ذلك من نظرة الغير أو شهادته؟
 
III- التـــــــاريــــخ:
دلالات المـــفهــوم:
يدل لفظ التاريخ على معان متفاوتة فبعض المفكرين يعتبر أن التاريخ يشتمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون كله، ويقصر البعض الآخر معنى التاريخ على بحث واستقصاء حوادث الماضي كما هو مشتق من الأصل اليوناني، وقد تدل كلمة التاريخ على مطلق مجرى الحوادث التي يصنعها الأبطال والشعوب
في اللغة العربية يعني الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ووقته الذي ينتهي إليه زمنه ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع المختلفة
أما معناه الفلسفي  فهو يتحدد كعلم تجربة واختبار قائم على النقد والتحليل والتحقيق من حيث أن التاريخ مزاج من العلم والفن والأدب في وقت واحد أي يجب إخضاع التاريخ للتحليل الفكري النقدي القائم على تركيب مجموعة من العلوم  التي تبعد المؤرخ عن الذاتية والإيحائية وهنا يصبح التاريخ موضوع معرفة منظمة وموثقة هو دراسة الماضي بالتركيز على الأنشطة الإنسانية وبالمضي حتى الوقت الحاضر
المحور الأول: المعرفة التاريخية
إشكالية المحور :
هل المعرفة بالتاريخ ممكنة؟ كيف نفهم الصيرورة التاريخية للمجتمعات البشرية؟ هل للإنسان دور في صناعة التاريخ والتأثير في مجرياته؟
أطروحة ابن خلدون :
قبل مجيء العلامة ابن خلدون ( 1332- 1406م) لم يكن الفكر التاريخي الإسلامي ولا حتى الأجنبي  يختلف من حيث النوع عما سبقه، بل كان التاريخ   يغلب عليه الطابع الأدبي والاعتبارات الغيبية والمثالية، أي أن المؤرخين اعتمدوا على الوصف الشيق والأسلوب الأنيق الذي كان يتخلله الكثير من الاستطرادات والاستعارات حيث وصفوا حياة وأعمال الأمراء والنبلاء وأبقوا على ميولا تهم وأهوائهم لذلك زيفوا الأحداث ونقلوا أخبار كاذبة عن بعضهم دون تمحيص ونقد الروايات التي كانوا يتلقونها لذلك فإن رواية مثل هذه الخرافات يدل على جهل المؤرخ بمعطيات العلوم الطبيعية وقوانينها وكذلك بمختلف العلوم الأخرى وغياب التسلح بالفكر المنطقي الرصين أي العلوم الإضافية للتاريخ مثل الاقتصاد، الجغرافيا، الديمغرافيا السكان ... الخ  إن ابن خلدون ينتقد بشدة الأسلوب السردي الخالص للتاريخ وهو ما يسميه ب " التاريخ في شكله الخارجي" ويقترح البديل وهو المفهوم العقلاني للتاريخ الذي يتجاوز التاريخ السردي والقصصي، وهدفه الأساسي هو  وصف الوقائع وصفا صادقا، أي الأخبار" عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم حيث يقول : " التاريخ هو ذكر الأخبار الخاصة بعصر أو جيل، فأما ذكر الأحوال العامة  للآفاق والإعصار فهو أس المؤرخ تبنى عليه أكثر مقاصده وتتبين به أخباره" إن المنهجية التاريخية عند ابن خلدون تقيم علاقة عضوية بين أحداث التاريخ والعمران البشري على غير عادة المؤرخين القدامى الذين شغفوا بوصف الأحداث والوقائع فقط في الوقت الذي يهتم به ابن خلدون، في علم العمران البشري والاجتماع الإنساني أساسا بدراسة العلاقات الداخلية للأسباب والنتائج في حياة الدول والمجتمعات، فالتاريخ بهذا المفهوم كما يقول : " في باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق وجدير بأن يعد في علومها وخليق".
أطروحة هنري اينرو مارو:
يرى المؤرخ الفرنسي هنري اينرو مارو (1904-1977م) أن الإنسان لا يستطيع أن يفهم نفسه وحاضره دون أن يفهم الماضي والتأمل في الماضي يبعد الإنسان عن ذاته باعتباره كائنا اجتماعيا فينبغي عليه أن يعرف تاريخ تطوره، إن هدف التاريخ هو المعرفة وليس البحث أو الدراسة والتاريخ هو من عمل الإنسان ويجب أن يكون للإنسان يشهد على وجوده ونشاطه وان التاريخ هو قانون معرفتنا الذاتية وأداة لا غنى عنها لبناء عالمنا الإنساني، على المؤرخ إذن أن يتجنب اليوتوبيا والحكاية الخيالية والأسطورة القائمة على التجربة المعيشية وأن يتجه إلى التسلح بالمعرفة العلمية، إن أطروحة اينري مارو تتجلى بوضوح في كونه يؤكد أن المعرفة التاريخية: حينما تعالج آثار ومخلفات الماضي يجب أن تتميز عن المعرفة العامية التي تستند على التجربة اليومية وتعتمد على السرد والرواية والعمل الأدبي وتركز على ما ينبغي أن يكون أي المعيارية وتتجه إلى البحث دون التركيز على النتائج بالتالي الوقوع في الخطأ وزيف الحقائق وجعلها لا واقعية فتصبح الوقائع هنا مجرد يوتوبيا وحكاية خيالية ورواية تاريخية، أما المعرفة العلمية فهي قائمة على منهج علمي صارم ودقيق لبلوغ الحقيقة أي التوصل إلى نتائج تخضع بدورها إلى  تمحيص عبر استدعاء علوم أخرى. 
المحور الثاني: التاريخ وفكرة التقدم
إشكالية المحور :
هل يرسم تراكم التجارب البشرية وتسلسل أحداثها  وجهة محددة للصيرورة التاريخية؟.
أطروحة ادوارد هاليت كار:
يبدأ المحلل والمفكر ادوارد هالت كار (1892-1982م) باستعراض بعض الأطروحات الفلسفية للفلاسفة السابقين، التي لم تكتفي بتقرير وجود تراكم تقدمي بين لحظات التاريخ ومراحله، بل انتقلت من هذا التوصيف إلى الإقرار بوجود غاية أي أن اتجاه حركة التاريخ يمضي نحو تحقيق حرية الكائن البشري تمضي نحوها الصيرورة التاريخية، ومعلوم أن فكرة التقدم المحايثة للصيرورة التاريخية كما تبلورت مع الفيلسوف الألماني هيجل (1770-1831م) وتوسع استعمالها في النظريات السوسيولوجية لا تخلو من تعسف وضيق نظر في استيعاب الحدث التاريخي وتقويمه.إن هيجل يقر أن التاريخ البشري في جملته صيرورة نازعة نحو غاية كلية يتم التقدم نحو تجسيدها، إنه ينظر إلى صيرورة الوجود الإنساني من خلال الوجود الإنساني عبر منطق جدل النقائض السائر نحو التركيب الجامع بينهما فالتاريخ حسبه صيرورة تذهب نحو استلهام الروح المطلق وتجسيد فكرته، لذلك فكل حوادث التأريخ تعتبر حوادث معقولة، لأنها واقعية يمكن البرهنة عليها عن طريق المنهج الجدلي يقول هيجل: " التاريخ هو ليس الماضي، والحاضر فقط، بل إنه المستقبل أيضا، مستقبل الإنسانية الحرة" وعليه فان هيجل يربط مفهوم العقل الحر بمفهوم التاريخ إذ أن التاريخ الإنسان عنده هو تاريخ  التقدم البشري، كما أنه يمثل مراحل نمو العقل الحر للإنسان عبر الزمان. أما الماركسية فترى أن المجتمع البشري قد بدأ من المشاعة إلى العبودية ثم الإقطاع والبورجوازية ثم الرأسمالية وبعدها الاشتراكية، وكل مرحلة من مراحل المجتمع أرقى من سابقتها والشيوعية في نهاية المطاف، وهذا التطور والرقي هو الصراع الطبقي وأنه يشمل الجنس البشري كله وهو يحدث بسبب التناقضات الاجتماعية وعليه فان الماركسية تعتبر أن الصراع الطبقي وانتصار الطبقة الجديدة من الناحية السياسية والاقتصادية هو عجلة التطور التاريخي.
 إن هناك نوع من الخلط في التاريخ بين التقدم والتطور فكيف يقيم كار التمايز بينهما؟ ينطلق كار من رفع اللبس القائم بين التقدم والتطور، فهذا الأخير مفهوم ذو حمولة بيولوجية يشير إلى النشوء والارتقاء أي أن كل الأنواع الحية ذات أصل طبيعي واحد وأنها نشأت وارتقت من أشكال عضوية بسيطة، أي كل الموجودات قد تطورت من خلية واحدة بعد ما أن انقسمت وتطورت إلى مخلوقات ذات خليتين ثم إلى متعددة الخلايا وهكذا حتى ظهرت الحشرات والحيوانات والطيور والزواحف والثدييات ومن ضمنها الإنسان (الداروينية)  الذي تطور عن القرد وهكذا فالتطور في الإنسان أخذ منحى آخر وهو العقل والذكاء والمنطق، لذلك فالتطور البشري مستمر منذ وجود الإنسان الأول وأن هذا التطور صاحبه هجرات الأنواع البشرية المتطورة عن أسلافها إلى مناطق أخرى جديدة لتتكيف مع الأوضاع الجديدة. أما التقدم حسبه فهو يرتبط بأفق سوسيوثقافي ولا يتجه في خط مستقيم يقول كار : " التاريخ هو عملية مستمرة من التفاعل بين المؤرخ ووقائعه، وحوار سرمدي بين الحاضر والماضي" وكذلك حتى مع المستقبل لأن الزمان التاريخي هو ثلاثي في طبيعته الأصلية: ماض،حاضر ومستقبل، زمن مسترسل. إن التقدم يجب أن يكون متواصلا، لا توقف ولا انعطاف فيه، بل يتسم بالانقطاع وعدم الاستمرارية فالمكتسبات الاجتماعية هو مصدر التقدم في التاريخ.
أطروحة هربرت ماركوز:
 يرى هربرت ماركوز ( 1898-1979م) أن فكرة التقدم في التاريخ قائمة أساسا على ضرورة  التمييز بين التقدم الكيفي والتقدم الكمي، أما بالنسبة للتقدم الكمي فهو يتمثل أساسا في التقدم التقني الذي يظهر ذلك البعد الذي تتنامى فيه معارف وعلوم الإنسان ومراكمة قدراته وخبراته لغرض التواصل مع الطبيعة لتحقيق السيطرة عليها والتحكم فيها من خلال موضوعاتها لخلق وسط إنساني ملائم أكثر، أما التقدم الكيفي فهو كيفي أي تقدم التاريخ الإنساني نحو تحقيق الحرية الإنسانية من خلال  التعبير أكثر على ماهية الإنسان حيث ستتجه الناس إلى أن يصبحوا أكثر أحرارا ويعوا حريتهم  وهكذا ستحقق الإنسانية في الوقت الذي ستتضاءل فيه العبودية والتعسف والاضطهاد والألم، لذلك فماركوز ما فتئ  يؤكد أن التقدم الكمي شرط أساسي لحصول التقدم الكيفي والعكس ليس صحيحا. يتضح إذن أن ماركوز يرهن العقل النظري بالعقل العملي انطلاقا من كونهما متمايزان لأن التقنية (التكنولوجيا) المعاصرة تضفي صيغة العقلانية على ما يعانيه الإنسان من نقص في الحرية إن التقنية إذن هي منطق أو موقف إيديولوجي لأنها تكرس منطق وإيديولوجية السيطرة على الطبيعة وتحقيق ماهية وإنسانية الإنسان.
أما الانتروبولوجي الفرنسي كلود ليفي  شتراوس  فهو لا ينكر مفهوم التقدم لكنه يجادل في كونه خط أو سلم يسير بشكل متصاعد لأن التاريخ حسبه ساكن نسبيا على اعتبار أن العقل  البشري واحد في جميع العصور وليس متدرجا مثل السلم لأنه شبيه بحركة فرس الشطرنج كما يقول حيث أن قانون اللعبة  يجعل حركة هذا الفرس قابلة لعدة احتمالات أو اتجاهات، نحو التقدم أو الإخفاق أو النكسات ومعنى هذا أن التاريخ لا يتطور في اتجاه واحد فقد تكون الحركة التاريخية سكونية أو تراجعية أو مراوحة في المكان تتضمن الخسارة والربح إن التقدم حسب شتراوس تطور منقطع تحكمه الصدفة والمراوحة بالتالي فهو (التقدم) ليس سلسلة منتظمة والتاريخ لا يتطور كخط تصاعدي. 
المحور الثالث: دور الإنسان في التاريخ
إشكالية المحور :
 هل للإنسان دور فاعل في صنع التاريخ والتحكم في صيرورته وإنتاج أحداثه؟ هل الإنسان وسيلة لتحقيق غائية تاريخية؟
أطروحة لوي التو سير  :
ينطلق الفيلسوف الفرنسي لوي التو سير  (1918-1831م) في هذا النص من تصور الفيلسوف الألماني هيجل (1770-1831م) لمفهوم التاريخ ففلسفة التاريخ عند هيجل كما هو معلوم تنطلق من المبدأ القائل بأن المطلق يجب أن يفهم لا كمنطلق لكل ما هو موجود، بل وكنتيجة له أيضا أي كمرحلة عليا من تطوره وهذه المرحلة العليا من تطور " الفكرة المطلقة" يسميها هيجل " الروح المطلق" الإنسانية أو التاريخ الإنساني وهي أعلى لحظات الوعي الكلي لدى الإنسان ذلك لأن الفكر يغير وجوده إلى شكل مادة طبيعة... وهي وجود آخر لهذا الفكر القائم موضوعا والذي يسميه هيجل بالفكرة المطلقة كما قلنا سابقا، وهكذا إن العقل ليس ملكة خاصة بالإنسان بل هو الأساس الأولي للعالم، ولذا فإن العالم يتطور وينمو وفقا لقوانين الفكر والعقل ، إن العقل هو الجوهر  المطلق الذي يتجلى في التنوع الهائل للوجود، لذلك يبقى التاريخ هو صيرورة تغرب وعملية استلاب لا تحركها أية قوة أو ذات إنسانية فاعلة، وليس لها غائية خارجية ولا تتجه في خط مستقيم ومطرد لأن هيجل ينظر إلى الروح لا على أنه ساكن أو جامد بل على أنه عملية تتطور باستمرار من مرحلة إلى أخرى أرفع منها، ولذا فإن الفكرة المطلقة ليست البداية فحسب بل والمحتوى المتطور للعملية الكونية كلها.
أطروحة لوسيان غولدمان:
ينتقد لوسيان غولدمان (1913-1970م) التصور الالتوسيري للتاريخ ولعلاقات الإنتاج ومعلوم أن لوي التو سير (1918-1990م) ينتقد بدوره مفهوم الماهية الإنسانية عند كارل ماركس(1818-1883م) لأن هذا الأخير حسب التو سير ينطلق من الذات أو الفرد أو الماهية أو الإنسان، إنما انطلق من نمط الإنتاج وعلاقاته، ؟أو من البنية الاجتماعية  فالفرد هو حصيلة العلاقات الاجتماعية، وليست الذات هي التي تصنع التاريخ بل الصراع الطبقي الذي يمثل شكلا من الصراع بين البنى والعلاقات الخارجية عن الإرادة الإنسانية الحرة، والتاريخ في آخر الأمر هو تفاعل بين قوى وبين هياكل ونظم بنيوية قارة وليس نتاجا للفاعلية الإنسانية. وهنا ينتقد غولدمان التو سير مؤكدا أن أطروحاته ليست إنسانية ورأى أنها أخطأت في تصورها وأوضح  أنه يمكن معالجة البنى والعلاقات الاجتماعية بصرف النظر عن الاختبارات الإنسانية، هكذا يلغي التو سير " الجانب الفاعل" من المعرفة التي طالما ألح عليه كارل ماركس بوصفه اللحظة الذاتية يرى التو سير أن التاريخ كامنا في المفهوم لا في الإنسان حيث يتحقق التاريخ خارج إرادة البشر الذين ينقلبون مجرد حوامل لعلاقات الإنتاج، وتمس الأخلاق  والممارسة بصورة أعم خاليين من أي معنى.
انطلاقا مما سبق نخلص إلى أن لوسيان غولدمان يعارض التو سير في فهمه البنيوي للتاريخ  والبنيوية كما هو معلوم منهج فكري وأداة للتحليل يقوم على فكرة الكلية أو المجموع، المنتظم ولدراسة ظاهرة ما ينبغي أن نحللها أو نفككها إلى عناصرها المؤلفة بدون أن ننظر إلى أية عوامل خارجية عنها. ويقترح (غولدمان) البديل الذي هو أن التاريخ في نظره ليس صيرورة  بدون ذات فاعلة وليس نتاج بنيات متعالية، أن التاريخ حسب غولدمان هو نتاج لممارسات البشر وأفعالهم وعلاقتهم بذلك يكون صيرورة للأحداث الإنسانية ويكون التاريخ يتحرك بفعل إرادة الإنسان الحقيقية.
------------------------------------------------------------------------------------
 
مجــزوءة المـعـرفـة
مدخـــل عــام
إن المعرفة بشكل عام مرتبطة بالعمل البشري لأنها تشكل ذلك الامتداد الفكري والتخطيط النظري له، والمعرفة هي فعالية الإنسان الذي يعيش في العالم كمعطى طبيعي لذلك يسعى إلى فهم وتحليل ووعي القوانين التي تحكمه وتوجه سلوكه لذلك يتوجب علينا الآن التمييز بين المعرفة العلمية التي تعتمد القياس والتجارب وتستعين بالآلات الدقيقة التي تكشف للإنسان عما يعجز عن بلوغه بحواسه، والتي تخضع للنقد الصارم والمراجعة المتواصلة وبين المعرفة العامية الحسية التي بإمكان مطلق الناس الحصول عليها بواسطة حواسهم وعقولهم وخبراتهم اليومية، وهذه إحدى المشاكل التي شغلت الفلاسفة منذ اليونان والمتعلقة بقيمة ما تمدنا به الحواس وما يدلنا عليه العقل وعلاقة العقلي  بالحسي، بل علاقة الذات بالموضوع ومدى موضوعية العالم الخارجي.
إن بعض هذه المسائل  قد أثيرت في العلم ذاته (الميكروفيزياء) وهذه هي إحدى القضايا الرئيسية التي تهتم بها نظرية المعرفة التي عجلت بقيام الابستمولوجيا كعلم  مستقل، أي نظرية المعرفة التي  تختص بالبحث في إمكانية قيام معرفة ما عن الوجود بمختلف أشكاله ومظاهره، (أنواع المعرفة كلها) ومن البحث في هذه القضايا وأمثالها تفرعت المذاهب الفلسفية ( المذهب الشكي، المذهب العقلي، المذهب الحسي أو التجريبي، المذهب الحدسي) أما الابستومولوجيا فهي تهتم بالمعرفة العلمية وحدها، هي الدراسة النقدية لمختلف النتائج التي تتوصل إليها العلوم وعليه تكون الابستومولوجيا هي التفكير الفلسفي في العلم ومما تجدر الإشارة إليه أن الابستومولوجيا تبحث أيضا  في مسألة تصنيف العلوم ( ابستومولوجيا الرياضيات، ابستومولوجيا الفيزياء، ابستومولوجيا العلوم الإنسانية والاجتماعية...)
إن بنية المعرفة العلمية تطرح مسألة إنتاجها والعلاقة التي تقوم بين الذات والموضوع وبين العقل العالم ومعطيات الواقع وهذا يضعنا أمام إشكالات التحديد الدقيق للواقعة العلمية. فكيف يمكن تمثل النظرية العلمية كنسق فرضي استنباطي لوصف الوقائع وتفسيرها؟ ما هي المعرفة؟ ما هي بنيتها وكيف تنتج؟ كيف تكون ممكنة؟ كيف يمكن التمييز بين التصورات الفلسفية والعلمية بهذا الصدد؟ هذا بالضبط ما سنتناوله في هذه المجزوءة من خلال مفاهيم النظرية، التجربة، المنهج التجريبي،العقلانية، العلوم الإنسانية...الخ.

I – النظرية والتجريب
دلالات المفهوم :
الدلالة العامية:
يدل مفهوم النظرية في دلالته الشائعة على : الرأي و الحكم  الذي يعبر عنه بالقول والكلام وهنا تصبح النظرية في مقابل الفعل أو العمل حيث تأخذ معنى سلبيا عندما لاترتبط بالفعل لأنها تدل على نظرة تبسيطية سطحية للأشياء غير الملموسة والمطابقة للواقع وحين يرتبط القول بالفعل  والواقع والعمل تكون ايجابية . بالتالي فالنظرية في التمثل العامي أداة للفعل والعمل مرتبطة بالمنفعة والفائدة والا فقدت قيمتها وأصبحت تأخذ معنى قدحي
الدلالة اللغوية :
في اللغة العربية : " النظرية هي ترتيب أمور معلومة على وجه يؤدي إلى استعلام ماليس بمعلوم وقيل النظر ... طلب علم عن علم ...والبحث"( لسان العرب ) وفي اللغة الفرنسية  حسب معجم روبير théorie   " مجموعة من الافكار والمفاهيم المجردة المنظمة قليلا او كثيرا والمطبقة على ميدان مخصوص " كما تعني كذلك " بناءا عقليا منظما ذا طابع فرضي ... تركيبي"
الدلالة الفلسفية:
حسب معجم لالاند :  النظرية هي" إنشاء تأملي للفكر يربط نتائج بمبادئ" وعليه النظرية بناء عقلي مفاهيمي مجرد تركيبي استدلالي فرضي يتقابل مع الممارسة والتطبيق ومع المعرفة العامية اليقينية ومع الجزئيات والتفاصيل العلمية ومنزهة عن المنفعة
المحور الأول: التجربة والتجريب
إشكالية المحور :
ما دلالة التمايز بين التجربة والتجريب؟ هل النظرية صورة مطابقة للواقع أم أنها إنشاء عقلي حر؟
أطروحة كلودبيرنار:
يقول كلود برنار ( 1813-1878 م)  "إن العلم نادرا ما يقف عند حدود الملاحظة، إذ يلجأ غالبا إلى التجريب" معنى هذا أن المجرب هو ذاك الذي يفضل تأويل محتمل قليلا أو كثيرا ولكنه أيضا  سابق للظواهر  موضوع الملاحظة، يقيم التجربة بالشكل الذي يجعلها في إطار السياق المنطقي لتوقعاته توفر نتيجة يتم استخدامها للتأكد من الفرضية أو الفكرة المتصورة بشكل سابق على التجربة فالعلم لا يعرف الا بالملاحظات المصنوعة لان كل المعارف قائمة على أحداث الملاحظة هذه الأخيرة تدفع العالم للتساؤل والتساؤل يقود بدوره إلى إنشاء فرضيات علمية والفرضية تتأكد عن طريق التجريب لتصبح قانونا أو علاقة رياضية ثابتة يقول كلود برنار: " يجب بالضرورة أن نجرب انطلاقا من فكرة متصورة مسبقا".
أطروحة روني توم :
يعتبر المنهج التجريبي من أفضل مناهج البحث العلمي وذلك راجع بالأساس إلى اعتماده على مجال التجربة العلمية وهو الأمر الذي يجعل عملية معرفة القوانين والوصول إلى الحقائق أمرا ممكنا عن طريق هذه التجارب لذلك يعتبر المنهج العلمي منهجا مهما بالنسبة للإنسان لأنه مما لا شك فيه قد ساعد على التطور عن طريق الملاحظة والتجريب والوصول إلى النتائج الصحيحة ومعرفة الطرق السليمة للتفاعل مع الظواهر وتفسيرها.
إن خطوات المنهج التجريبي تعتمد على ثلاثية: الملاحظة، الفرضية ثم التجريب أو التحقق من الفرضية
1- الملاحظة: هي: المشاهدة الدقيقة لظاهرة ما مع الاستعانة بأساليب البحث والدراسة التي تتلاءم مع طبيعة هذه الظاهرة ومهمة الملاحظة هي الكشف عن بعض الحقائق التي يمكن استخدامها لاستنباط معرفة جديدة وتجدر الإشارة إلى أن هنالك تداخل بين الملاحظة والتجربة باعتبارهما مرحلتين في البحث التجريبي لان الباحث يلاحظ ثم يجرب، ثم يلاحظ نتائج تجربته
2- الفرضية: هي مجموعة  من التوقعات والتخمينات للأسباب التي تكمن خلف الظاهرة والعوامل التي أدت إلى بروزها وظهورها وهي نظرية (الفرضية) لم تثبت صحتها بعد أوهي  نظرية رهن التحقيق أو هي التفسير المؤقت الذي يصنعه باحث من التكهن بالقوانين التي تحكم صيرورة الظاهرة.
3- التجريب: من أهم مراحل البحث العلمي  فالفرضية ليست لها قيمة علمية ما لم تثبت صحتها موضوعيا وتؤدي الفرضية إلى إجراء التجارب والقيام بملاحظات جديدة للتأكد من صدقه وصحته إن روني توم (1923-2002م) يؤكد أن خطوات هذا المنهج التجريبي قد ينقصه في بعض الأحيان الفعالية التي لا ترقى في مرماها إلى مفهوم المنهج العلمي الصارم وهو الأمر الذي يجعله يؤكد على عدم صرامة هذا المنهج وأنه غير قائم الذات لذلك حسبه دائما الحديث عن نوع هذا المنهج هو من قبيل الأسطورة على اعتبار أن عيوب هذا المنهج التجريبي تكمن أولا وأخيرا في صعوبة تحققه على مستوى الواقع لأن اغلب التجارب العلمية تبقى مصطنعة ولا تعكس مواقف الحياة الحقيقية لأن هنالك فرق بين التجربة النظرية التي هي حصيلة العلوم النظرية التي لا تحتاج إلى جهد إضافي بينما التجربة العملية هي نوع من القيام بعمل تغيير في الحياة وتحتاج إلى جهد والى إيجاد شروط صعبة في الحياة..
المحور الثاني: العقلانية العلمية
اشكالية المحور:
ما هي خصائص العقلانية العلمية؟ وما هي حدودها؟ ما أساس العقلانية العلمية؟ هل هو العقل أم التجربة أم حوار بين العقل والتجربة؟
أطروحة هانزرايشنباخ:
يرى هانزرايشنباخ (1891-1953م) أن المعرفة العلمية يتم التوصل إليها باستخدام مناهج معقولة لأنها تقتضي استخدام العقل مطبقا على مادة ملاحظة غير أنها ليست عقلانية، إذ ان هذه الصفة لا تنطبق على المنهج العلمي، وإنما على المنهج الفلسفي الذي يتخذ من العقل مصدر للمعرفة التركيبية المتعلقة بالعلم، ولا يشترط ملاحظة لتحقيق هذه المعرفة، إن العالم الرياضي لا يحتاج إلى تجربة لأنه يدرك مدى نجاح الاستنباط المنطقي كعملية عقلية بفضلها ننتقل من قضيتين إلى قضية ثالثة تلزمهما لزوما ضروريا، وتكون صادقة تكون النتيجة إذن ضرورية كنظرية للمعرفة تحل فيها أفعال الاستبصار العقلي محل الإدراك الحسي ويعتقد فيها العقل قوة خاصة به، يكتشف بواسطتها القوانين العامة للعالم الفيزيائي وعندما  يتخلى الفيلسوف عن الملاحظة التجريبية بوصفها مصدرا للحقيقة لا تعود بينه وبين النزعة الصوفية إلا خطوة قصيرة، فإذا كان في استطاعة العقل أن يخلق المعرفة، فإن بقية النواتج التي يخلقها الذهن البشري يمكن أن تعد بدورها جديرة بأن تسمى معرفة، ومن هذا المفهوم ينشأ مزيج غريب من النزعة الصوفية والنزعة الرياضية العلمية.
أطروحة روبير بلانشي:
يرى روبير بلانشي أن كل معرفة ينبغي أن تبدأ مع التجربة وعليها أن تقوم كليا على التجربة فما يمكن ملاحظته هي الظواهر التي لا يمكن تفسيرها وهو بذلك يرفض الفكرة القائلة أن المعرفة لا يمكن أن تقوم حول الجواهر التي هي مبدأ الوجود، فلا شيء  يمكن معرفته قبليا أي قبل المعرفة القائمة على التجربة، لأن هذه الأخيرة هي منبع النظرية، إنها القاعدة الضرورية لكل تطور علمي، والتي ينبغي دائما الانطلاق منها، التجربة هي وحدها القادرة على منحنا معرفة بالوقائع الحقيقية، ان العلم يبدأ بالتجربة وينتهي إلى النظرية فالتجربة سابقة على منظومة القواعد الثابتة، ان معيار صلاحية النظرية يتحدد في تكيف العقل العلمي مع الوقائع التجريبية.
المحور الثالث: معايير علمية النظريات
إشكالية المحور:
ما هي معايير علمية النظريات العلمية؟ وما هي مقاييس صلاحيتها؟ ما قيمة تعدد الاختبارات وقابلية النظرية للتكذيب أو تأكيد صدقها؟
أطروحة الحسن ابن الهيثم :
لما كان الناس من طبعهم التصديق بأقوال العلماء وبنظرياتهم مع حسن الظن بهم كما لو ان نظرياتهم وأفكارهم حقائق لا يشوبها الباطل فإن على الناظر في كتب العلوم إذا كان غرضه معرفة الحقائق أن يتخذ موقفنا نقديا اتجاه ما ينظر إليه من جميع النواحي، لكن دون أن يتحامل عليه أو يتسامح فيه، ومن شأن هذه الطريقة أن تكشف له الحقائق وما قد يشوبها من نقائض أو شبهات.
أطروحة دوهايم :
يرى دوهايم أن معيار صلاحية النظرية هو التجربة لأن التجربة هي منبع النظرية بحيث تشكل نقطة انطلاق النظرية العلمية، منه تستمد معطياتها، المصاغة صياغة كمية ورمزية رياضية في صورة معادلات  ودوال كما أن التجربة تشكل نقطة الوصول بالنسبة للنظرية العلمية، إذ بواسطتها يتم التحقق من صدق أو صلاحية النظرية أو كذبها.
أطروحة ريموند بوبر:
يقترح كارل ريموند بوبر ( 1902-1994م) مبدأ التزييف أو التكذيب، وهو أن معيار صلاحية نظرية ما ليس هو مطابقتها للتجربة بل قابليتها من حيث المبدأ للتكذيب، حتى وإن لم تكذب فعلا، أي أن تتضمن في منطوقها إمكانية عن وقائع و إنشاء تجارب تكذبها. إن تقدم المعرفة  مساره حسب بوبر هو الرسمية التالية: pI-vp,f,p2   المسألة pI فتشرحها النظرية المؤقتة vp وهذه تخضع تبعا للنقاش أو للنقد التجريبي إلى إقصاء الأخطاء  fbالتي تسمح بطرح المسألة التالية p2 وإذن كل معرفة هي بالتالي معرفة فرضيات  وكل النظريات هي افتراضات والمعرفة تكون مسبوقة  بالفرضية والتجربة تكون " مشبعة بالنظرية" وما يتم التوصل اليه لا يكون أبدا النظرية الحقة، بل إن النظريات هي التي تصبح على الدوام أكثر قابلية للتصديق هذه هي الرسيمة حسبه وهي التي يتبعها التطور بكليته.
 
II- مسألة العلمية في العلوم الإنسانية
دلالات المفهوم :
يشير مصطلح العلوم الإنسانية إلى مجموعة من العلوم التي تتخذ الإنسان كموضوع للدراسة بهدف الكشف عن أبعاده المختلفة في حياته: النفسية، الاجتماعية، الاقتصادية، التاريخية، والسياسية... أو التي تشكل الظواهر الإنسانية مجال بحثها إنها العلوم التي تميز الإنسان في مقابل بقية العلوم الطبيعية، وكان ميلاد هذه العلوم متأخرا بالمقارنة مع الرياضيات وباقي العلوم التجريبية، وجاءت كدعوة للعودة إلى الذات الإنسانية التي أغفلتها التصورات العلمية التجريبية ولتجيب عن مجموعة من التساؤلات التي تولدت مع ضرورة فهم الإنسان والتحكم فيه وفق تصور عقلاني  كما هو الشأن بالنسبة  مع باقي العلوم الأخرى وإذا كانت العلوم الطبيعية  قد بدأت باستغلالها عن الفلسفة ما بين القرنين 16م و 18م فإن العلوم الإنسانية لم تعرف بدايتها العلمية إلا في مرحلة متأخرة أي في القرن 19 وبداية القرن 20م بعد فترة طويلة ظلت فيها موضوعا للتأمل الفلسفي 
المحور الأول: الموضوعية في العلوم الإنسانية
إشكالية المحور:
إلى أي حد يمكن أن تكون الظواهر الإنسانية موضوع معرفة علمية- موضوعية تحقق للعلوم الإنسانية شرط العلمية؟ هل يمكن أن يكون الإنسان ذاتا للمعرفة وموضوعا لها في نفس الآن؟
أطروحة لوسيان غولدمان:
يرى لوسيان غولدمان أن الإنسان هو موضوع العلوم الإنسانية والموضوعية  تلاقي صعوبات لأن الدارس هو الإنسان والمدروس هو الإنسان وبالتالي يصعب الفصل بين الذات والموضوع فقد كان ديكارت يرى أن أسس المنهج تكون عقلية  لكن الأمور بعد ذلك تعقدت بشكل كبير لأن ديكارت كان يؤمن بمنهج واحد مستوحى من الرياضيات يصلح لكل العلوم وكذلك للحياة اليومية.، وفي نفس الاتجاه يميل السوسيولوجي الفرنسي والفيلسوف إميل دوركايم الذي يؤكد على  ضرورة الظواهر الاجتماعية في ذاتها كظواهر مستقلة عن الذوات الواعية التي تتمثلها وهو ما يعني دراسة تلك الظواهر من الخارج بوصفها أشياء خارج الذات وذلك لأنها تعطانا من الخارج باعتبارها أشياء" لذلك فغولدمان يقر بأن العلوم الإنسانية ( علم النفس، علم الاجتماع، التاريخ...) تبقى عاجزة عن استيفاء شرط الموضوعية لأن الظواهر الإنسانية تتميز بتعقد وتنوع الأسباب المؤدية لظهورها وسرعة تغيرها وصعوبة عزل الباحث عن المجتمع فهو جزء من المجتمع ولابد أن يتأثر بالظواهر الموجودة فيه، لذلك فالباحث في العلوم الإنسانية لا يستطيع التخلص من أحكامه القبلية ومواقفه المضمرة ونوازعه اللاواعية، انه لا يوجد في العلوم الفيزيائية والطبيعية  مجموع منسجم للطبيعة إلا بفضل استدلالات تكمل معطيات التجربة بواسطة منظومة من الفرضيات، أما في العلوم الإنسانية فإن مجموع الحياة النفسية يمثل في كل مكان معطى أوليا وأساسيا فالطبيعة نفسرها والحياة النفسية نفهمها.
أطروحة رينيه بوفريس:
تنطلق أطروحة رينيه بوفريس بالتأكيد مسبقا على صعوبة تحقيق الموضوعية في العلوم الإنسانية لأسباب تتصل بطبيعة الظواهر الإنسانية لأن الروح العلمية المتصفة بالموضوعية تختلف عن الفلسفة التي اهتمت بالتأملات الميتافيزيقية التي تبتعد عن المادة والحياة وهذا ما يظهر مع الاتجاه الوضعي الذي أسسه عالم الاجتماع الفرنسي اوكيست كونت ( 1857-1798م) والوضعية كما نعلم تهاجم فلسفات السلب والرفض المتمثلة في الاتجاهات النقدية الهدامة في فرنسا وألمانيا (ديكارت+ فلسفة الأنوار+ هيجل+ ماركس.. ) التي تحصر الإنسان في الميتافيزيقا وتؤسس لتوجيه الفكر نحو الأمور الواقعية ورفع مكانة التجربة بحيث تصبح هي صاحبة  القول الفصل في كل معرفة فالتصورات التي ينبغي ان تفسر الوجود والواقع تستمد من الوقائع التي يتكون منها هذا المجال أما مضمون التصورات الفلسفية التي تحاول أن تصل إلى أبعد من ذلك فينبغي استبعادها ونظرا لما تؤدي إليه الأوضاع من تداخل بين الذات والموضوع تنشأ في العلوم الإنسانية صعوبات إزاحة التمركز الذاتي التي هي ضرورية لتحقيق الموضوعية لأنه كلما زادت ملاحظة ظواهر ما يجب على الملاحظ أن يدرسها من الخارج  ولأن الملاحظ يكون أكثر ميلا إلى الاعتقاد بأنه يعرف الوقائع حدسيا.
المحور الثاني: الفهم والتفسير
اشكالية المحور:
هل تتحدد وظيفة النظرية العلمية في مجال العلوم  الإنسانية في الفهم أم في التفسير؟
اطروحة غرا نجي:
يميز جيل غاستون غرا نجي بين موقفين معرفيين في تعامل العقل الإنساني مع الظواهر الإنسانية هما التفسير والفهم ومعلوم أن العلوم الطبيعية ارتبطت بالتفسير لأن وظيفة النظرية العلمية تعتبر إن العلم وظيفته هو الكشف عن علاقات  الثابتة الكامنة في القوانين العلمية في حين أن الفهم يرتبط بالعلوم الإنسانية لأن الظواهر المادية الخارجية تقبل التفسير بسب خضوعها  لحتمية طبيعية أما الظواهر الإنسانية فهي عبارة عن فعالية روحية تتميز عن المادة بتواجد الوعي وتداخل الإرادة مما يقتضي اعتماد الفهم في دراستها بدل التفسير الآلي لذلك فالمناهج التي تدرس بها الحياة الروحية والتاريخ والمجتمع تختلف عن المناهج التي تقود إلى معرفة الطبيعة لذا كان لابد في نظر غرا نجي من التخلي عن التفسير والتأكيد على الفهم كفعالية عقلية تأويلية مدركة لدلالة الظاهرة الإنسانية في وحدتها وكليتها ولكن هل يمكن القول بهذا التصور كحل للإشكالية؟
اطروحة جون مونرو:
 يؤكد جون مونرو السوسيولوجي على أهمية الفهم وقيمته في فهم الحوادث الإنسانية وإدراك دلالتها ومقاصدها ومعانيها انطلاقا من تجارب الذات الوجودية المباشرة  بحيث أن بإمكان الذات فهم الواقعة الإنسانية باعتمادها على البداهة والوضوح كخاصيتين تميزان ظاهرة الفهم مما يجعل من الفهم منهجا يكفي ذاته بذاته فالحدس في عمقه معرفة مباشرة لا تحتاج لأية وسائط منهجية أو معرفية بل أساسها ما تدركه الذات من دلالات ومعاني من خلال تجربتها ووضعيتها الوجودية الوجدانية، ومن هنا يتجلى موقف مونرو النقدي للنزعة  الوضعية  للعلوم الإنسانية في سعيها نحو المعرفة الخالصة. 
المحور الثالث: مسألة نموذجية العلوم الإنسانية
إشكالية المحور:
هل ينبغي للعلوم الإنسانية أن تسعى وراء تطبيق خطوات المنهج التجريبي بالصورة التي تحددت بها لدى  العلوم الطبيعية، أم  أن خصوصية الظواهر الإنسانية تستلزم البحث عن نماذج مغايرة؟  أي نموذج للعلمية في العلوم الإنسانية؟
أطروحة جان لادريير:
ينطلق جان لادريير من إثارة إشكالية المنهج الكفيل بدراسة الظواهر الاجتماعية ومدى إمكانية الاقتداء بالمناهج التي أثبتت أحقيتها داخل العلوم الطبيعية وهل ينبغي دراسة العناصر المكونة للعقل الإنساني كما هو شأن الموضوعات الفيزيائية أم أننا نجد أنفسنا أمام المقارنة خصوصا مكونات الظاهرة الاجتماعية التي تحول دون موضعتها؟ يستعرض لادريير الموقفين السابقين في تعاملهما مع الظاهرة الاجتماعية مبرزا عيوبهما أي المنهج الموضوعي في العلوم الإنسانية والمنهجي التفهمي :
1- المنتهج الموضوعي: خصائص المعرفة العلمية هي نفسها خصائص العلوم التجريبية  فلتكتسب كل معرفة علميتها عليها أن تكون معرفة وضعية فالعلوم التجريبية لم تكتسب علميتها إلا بتبنيها قواعد المنهاج التجريبي والرياضي وبالتالي إذ أرادت العلوم الإنسانية أن تحقق علميتها فلابد لها من محاكاة هذا المنهج الوضعي في تعاملها مع الوقائع كأنساق مادية شيئية وفي وضع ذات الباحث التخلي عن التمركز الذاتي.
2- المنهج التفهمي: ضرورة منح أداة أصلية للتحليل تلائم خصوصيات الظاهرة الإنسانية والفعل الإنساني ولطبيعة الواقعة الإنسانية كواقعة روحية وعيوبه تظهر في كونه يتنكر لمكتسبات الفكر العلمي ويميل إلى نزعة ذاتية تأويلية.
يبدو أن لادريير يؤكد على ضرورة التجاوز الجدلي للتصورين بما يسمح بالاستفادة من مكتسبات الفكر العلمي مع مراعاة خصوصية الظاهرة الإنسانية علما أن علمية العلوم الحقة ليست نموذجا للعلمية وإنما صورة لها فقط. بالتالي بإمكان العلوم الإنسانية  خلال مسارها أن تقدم صورة للعلمية مغايرة ومختلفة عن علمية العلوم الطبيعية لكن بالمقابل أليست الذات هي المؤهلة لمعرفة الذات وعالمها؟.
أطروحة إدغار موران :
يميز إدغار موران داخل الخطاب السوسيولوجي المعاصر بين نمطين من الخطاب:
1- سوسيولوجيا "علمية" تستعير من فيزياء القرن التاسع عشر (19م) نموذجها العلمي كنموذج يؤمن بالحتمية والعلاقات الموضوعية السببية وموضعة  الظاهرة المدروسة في استقلالية تامة عن الذوات والقوى الفاعلة لها وعن مسؤولياتها وحريتها.
2- سوسيولوجيا إنشائية لم تتحرر من إسار الفلسفة والتأمل الأخلاقي لكنها تمنح للذات العارفة دورها الإبداعي الخلاق في إعادة بناء وفهم الظاهرة الاجتماعية، فأمام تقدم المعرفة البيولوجية الحديثة أصبحت الذات الإنسانية تموضع نفسها في قلب العالم كوعي وقدرة على فهم الذات ومعرفة العالم.
المحور الرابع: نموذج السوسيولوجيا
إشكالية المحور:
ما هي السوسيولوجيا؟ ما خصائصها؟ ما موضوعها؟ وما هي أهم النظريات السوسيولوجية؟
أطروحة جون كلود بابييه:
يؤكد جون كلود بابييه أن السوسيولوجيا تقوم بمجموعة من الوظائف التي تزيدها وضوحا وهي:
أولا: تقوم بتطبيق أنماط العلاقات الاجتماعية وأنواعها وخاصة تلك التي تتحدد في نظم وهيئات اجتماعية
ثانيا: السوسيولوجيا تحاول دائما تحديد العلاقة بين الأجزاء أو العوامل المختلفة للحياة الاجتماعية (مثلا العلاقة بين العناصر الاقتصادية والسياسية أو بين العناصر الأخلاقية والدينية أو بين الأخلاقية والقانونية...)
ثالثا: تحاول السوسيولوجيا أن تميز الأحوال الأساسية لكل من التغير والثبات الاجتماعيين.
ولما كانت العلاقات الاجتماعية تتوقف على طبيعة الأفراد وعلاقاتهم ببعضهم البعض وبالجماعة وبالبيئة الخارجية فإن السوسيولوجيا تسعى إلى  أن تنتقل من الخصوصيات إلى القوانين الأعم المتعلقة بعلم الحياة وعلم النفس، ومن هنا فإن السوسيولوجيا تستند إلى علوم أخرى تدخل بذاتها في المجال الاجتماعي مثل التاريخ والاقتصاد والسياسة والأنتروبولوجيا...
إن بابييه يناقش أطروحة ماكس فيبر القائلة بضرورة دراسة الظواهر الإنسانية وفق تأويل تفهمي للأفعال والمقاصد الذاتية للفاعلين لأن السلوك الإنساني يكون مرتبط بسلوك الغير تبعا للمقاصد الذاتية ويكون مشروطا أثناء تطوره بهذه العلاقة البين ذاتية وقابلا للتفسير بطريقة تفهميه انطلاقا من المعنى المقصود ذاتيا من طرف الفاعل، كما أن الظاهرة العاطفية أيضا لها معنى ذاتي في العلاقة بين الغير مما يفرض مقاربة تفهميه تقوم على دراسة الدلالة والمعنى والسلوك المعبر عن هذه الظاهرة في مظاهرها الخارجية، وعليه ومما سبق "بابييه" يضع علم الاجتماع في الحدود الفاصلة بين الفهم والتفسير وبين النموذج الجمعي والنموذج الذري (ماكس فيبر)
أطروحة ميرتون :
ناقش عالم الاجتماع الأمريكي روبير كينغ ميرتون النظريات الاجتماعية ودورها في القيام بوظائف الوصف والتحليل ثم التفسير والتأويل بناء على آليات نظرية منهجية خاصة بها وتعدد الاتجاهات النظرية الكبرى في علم الاجتماع (السوسيولوجيا) حسب تصور كل اتجاه لطريقة مقاربة المجتمع ومدى قابليته  لذلك المنهج الملائم للتوصل إلى بناء معرفة موضوعية حوله. ما هي أهم النظريات الاجتماعية إذن؟
1- النظرية الوظيفية: تعتبر المدرسة الوظيفية الأمريكية مع بارسوتر وميرتون امتداد للمدرسة الوضعية في شكل جديد والتي تركز على المشابهة بين المجتمع والكائنات العضوية على أساس أن عناصر المجتمع تعمل سويا ككل موحد في علاقة بوظائف اجتماعية أخرى إذا اختل أحد عناصره  يكون له انعكاس على العناصر الأخرى، كما تعمل أعضاء الجسم البشري بالضبط لذلك تؤكد هذه النظرية على أهمية الوظيفة أو الدور الذي يلعبه أي عنصر في استمرار وجود المجتمع وتوازنه، كما تشدد على أهمية الإجماع الأخلاقي بمعنى اشتراك أغلب الناس في المجتمع في القيم نفسها في حفظ واستقرار المجتمع [دور الدين والأسرة مثلا في تمسك الناس بالقيم الاجتماعية وصيانة التماسك الاجتماعي]
2- النظرية التفهمية أو نظرية الفعل الاجتماعي: يعد ماكس فيبر أحد الداعيين إلى تبني منظور الفعل الذاتي، فرغم أهمية البنيات الاجتماعية مثل الطبقات والأحزاب السياسية، فإن الفعل الاجتماعي والتفاعل بين أعضاء المجتمع هو الذي يخلق البنيات لذا ركز على ضرورة فهم الظاهرة الاجتماعية من خلال استخلاص دلالات ومقاصد الفاعلين وأسلوب تصرفهم وتفاعلهم فيما بينهم من جهة وما بينهم وبين المجتمع من جهة أخرى.
III- الحــقــيقــة
دلالات المــفهوم :
الدلالة العامية :
يدل لفظ الحقيقة على معنيين رئيسيين هما الواقع والصدق فالحقيقي هو الشيء الواقعي الموجود وجودا فعليا في العالم الخارجي والقابل للإدراك الحسي من طرف جميع الناس والصادق هو القول المطابق للواقع فالأسد مثلا حقيقي لأنه اسم لكائن واقعي ملموس
الدلالة اللغوية :
في اللغة العربية يقال حق الشيء إذا ثبت وهي اسم الشيء المستقر في محله وما به الشيء هو هو وعليه تصبح الحقيقة هي الشيء الثابت قطعا ويقينا (الجرجاني)
الدلالة الفلسفية :
الحقيقة هي القضية الصادقة قطعا  وما تمت البرهنة عليه وكذلك هي الواقع لكن هذه الأخيرة أصبحت متجاوزة في الفلسفات المعاصرة حيث أصبحت تركز على الحقيقة بوصفها علاقة بين الفكر من جهة واللغة من جهة أخرى  فلا حقيقة بدون فكر ولغة وبالتالي أصبحنا نتحدث عن علاقة الحقيقة بالخطاب وبالسلطة المعرفية
المحور الأول: الرأي والحقيقة
إشكالية المحور:
كيف يمكن  لنا أن نميز في  أحكامنا اليومية بين الصحيح والباطل، وبين ما هو يقيني وما ما هو مستمد من الحس المشترك؟ الا يتطلب بناء الحقيقة مراجعة كل معارف ورغباتنا في الحياة وتقويض أسسها وإعادة ضبط العلاقة بين عالم الحقيقة وعالم المعتقدات؟ وعليه هل الحقيقة معطى أم بناء.؟
أطروحة ديكارت:
ينطلق الفيلسوف الفرنسي ديكارت (1595-1650م) من التأكيد على أهمية وضرورة الشك المنهجي من أجل فحص كل المعارف التي تلقيناها منذ سنواتنا الأولى والتي تراكمت في ذواتنا بفعل العادة والتقليد بل أيضا تلك التي تعلمناها كحقائق جاهزة ومطلقة منذ طفولتنا والتي نجد الكثير من المشقة من التخلص منها بدون تساؤل عن مدى صلاحيتها وصدقها وصلابة المبادئ والأسس التي تستند عليها خاصة وأن التجربة اليومية تدل على أن الحواس تخدع، وبالتالي كان لابد من إعادة تأسيس معارفنا وعلومنا على قدر من اليقين الصلب الثابت وتقويض كل الأحكام المسبقة التي لا  تستند على أية أسس منطقية أو واقعية وإنما على سلطة رأي الناس، إن ديكارت يؤكد على الهدم وإعادة البناء وهذا يستلزم منهجا عقليا صارما إذ لا حقيقة بدون منهج لأنه يحول دون وقوع العقل في الخطأ ومن هنا التشديد على ضرورة الشك في المعارف الصادرة عن الحواس والذاكرة والمخيلة لطبيعتها الخادعة الظنية والوهمية، والحقيقة العلمية لا تنتهي إلا بالقطيعة مع المعرفة العامة وبادئ الرأي
أطروحة باشلار:
إن بناء المعرفة العلمية حسب الفيلسوف الفرنسي كاستون باشلار (1884-1962م) ليست عملية مباشرة لأن الحقيقة العلمية هي خطأ تم تصحيحه، وتاريخ العلوم هو تاريخ أخطاء ذلك أن كثير من النظريات العلمية تم الاعتقاد لمدة طويلة بأنها صحيحة إلى أن ظهر بعض العلماء فيما بعد واكتشفوا عن الأخطاء الكامنة فيها وعوضوها بنظريات أخرى.
وهكذا فانفتاح الحقائق داخل العلم يتم من خلال تجاوز الأخطاء السابقة ثم ان العالم لا يأتي إلى المعرفة العلمية وهو فارغ الذهن  حول الظواهر التي سيدرسها، بل يأتي إليها وهو مشحون بالتمثلات الاجتماعية والتصورات العامية التي تشكل حسب باشلار عوائق ابستمولوجية يجب تجاوزها من أجل الوصول إلى الحقيقة العلمية إن الروح العلمية تقتضي النقد والهدم والبناء لأن العلم لا يتأسس من تلقاء ذاته على البداهة بل يستدعي العقل العلمي الذي يسعى إلى بناء وتشييد الواقع العلمي والحقيقة العلمية كحقيقة قابلة للتفنيد والتكذيب ومنفتحة على كل مراجعة نقدية لذلك فهي حقيقة نسبية ومتطورة لأنها ترتبط بالأدوات والمناهج المستخدمة في الأبحاث العلمية، كما ترتبط بنوعية المجال العلمي الذي يتم الاشتغال فيه.
المحور الثاني: معايير الحقيقة
إشكالية المحور:
كيف يتحدد معيار الحقيقة؟ هل هو معيار منطقي أم مادي؟
أطروحة هايدجر:
يميز مارتن هايدجر بين مستويين في الحقيقة: مستوى حقيقة واقعية وجود الأشياء كما هي في أصلها وتطابقها مع ذاتها، ومستوى منطوقاتنا وملفوظاتنا وأحكامنا على الأشياء التي نرى في مطابقتها للأشياء والموضوعات معيار حقيقتها بمعنى أن الحقيقي هو الواقعي وأن كل ما لا يطابق أو يتوافق مع الواقع فهو زائف ووهمي وعليه فإن الحقيقي والحقيقة يعنيان هذا التطابق" ويوضح هيدجر أن جوهر التصور التقليدي للحقيقة منذ الفيلسوف أرسطو يكمن في حصر الحقيقة في الحكم المنطوق وتطابقهما مع موضوعهما وهو تصور في نظره يكشف عن الأساس اللاهوتي للقول بالتطابق كتطابق بين العقل الإنساني والأشياء التي يجسد تطابق الأشياء مع العقل الإلهي إن هيدجر يقدم تصوره الأنطولوجي للحقيقة عبر تأكيده  أن التطابق لا يمكن أن يحصل إلا بين شيئين لهما نفس الماهية لكن عندما نصدر حكما منطوقا عن الشيء فإن الأمر يختلف بحيث نكون بصدد ماهيتين مختلفتين شيء مادي ومنطوق لغوي وبالتالي فلا تطابق بينهما من حيث الماهية مما يستدعي التركيز على طبيعة العلاقة أي طبيعة علاقة  المنطوق بالشيء والتي تتحدد في إحضاره له والإشهاد بما هو عليه وذلك لا يحقق إلا بترك الشيء يوجد ويعبر عن ذاته ويكشف عن نفسه في حريته بدون إكراه أو ضغط بالتالي يكون هيدجر قد أضفى بعدا انطولوجيا على الحقيقة بتأسيسها على الحرية وبالتجربة الوجودية للشخص
 أما الفيلسوف الإنجليزي دافيد هيوم (1711-1776م) فهو يميز بين نوعين من الموضوعات التي يشتغل بها العقل الإنساني الأولى ذات طبيعة عقلية خالصة والثانية ذات طبيعة تجريبية تتعلق الأولى بكل القضايا التي لا نحتكم فيها إلا إلى الحدس العقلي أو الاستدلالي البر هاني بمعنى الاحتكام إلى معياري البداهة العقلية والصلاحية المنطقية حيث التشديد على خلو الفكر من التناقض وتطابقه مع قواعد العقل ومبادئ المنطق ومدى اتسامه بالتناسق والتماسك المنطقيين دون البحث في مدى انسجامه أو تطابقه مع العالم الخارجي كما هي كل القضايا الهندسية والرياضية إذ ما يهمنا في قضاياها وبرهانيتها وضرورتها المنطقية أم النوع الثاني من موضوعات العقل التي تتعلق بالوقائع التجريبية الاختبارية التي لا يمكن أن تؤخذ كحقائق إلا إذا كانت تتطابق المعرفة فيها المعرفة  مع موضوعها أي مع ما هو خارج الفكر وبالتالي الاحتكام إلى معيار الوقائع كمعيار خارجي نتأكد بواسطته من مدى واقعية المعرفة كما هو الأمر في كل موضوعات العلوم التجريبية.
أطروحة فوكو:
يرفض مشال فوكو (1926-1984م) التصور التقليدي الذي يعتبر أن الحقيقة هي نتاج تجربة الفيلسوف الذي يعبر عنها وهو في خلوته يتأمل بعيدا عن الآخرين وعلى العكس يعتبر فوكو أن الحقيقة لا توجد بمعزل عن السلطة وهو الأمر الذي يعني أن لها طابعا اجتماعيا ومؤسساتيا، إن لكل مجتمع هيئات ومؤسسات وأناس يوكل إليهم مهمة نشر وترسيخ المنطوقات الصحيحة ومحاربة تلك التي تعتبر خاطئة لذلك فمشال فوكو يحدد خمس سمات أساسية تتميز في المجتمعات الغربية المعاصرة:
1- ترتبط الحقيقة بالعلم وبالمؤسسات التي تحميه
2- ترتبط الحقيقة بالأهداف الاقتصادية والسياسية للمجتمع،
3- الحقيقة موضوع نشر واستهلاك على نطاق واسع بفضل وسائل الإعلام والإشهار والاتصال المختلفة
4- تخضع الحقيقة لمراقبة وسيطرة الأجهزة الكبرى في المجتمع كالجامعة والجيش والاتصال الجماهيري،
5- إن الحقيقة هي موضوع نقاش وصراع بين مختلف الأطراف الفاعلة داخل المجتمع.
إن ما يمكن ملاحظته هنا هو ربط فوكو بين الحقيقة والسلطة التي تتجسد في مختلف أجهزة ومؤسسات المجتمع الأمر الذي يدل على نسبية الحقيقة وارتباطها بالمنفعة والمصلحة التي ينشدها هذا الطرف أو ذلك وهذا أمر له دلالته إن الإنسان لا يبتغي الحقيقة من أجل ذاتها بل  يطمح في العواقب الحميدة التي تنتج عنها.
 
المحور الثالث: الحقيقة كقيمة
إشكالية المحور:
كيف إذن تتحدد الحقيقة كقيمة أخلاقية؟ هل هي غاية في ذاتها أم هي وسيلة لتحقيق ما يخدم الحياة الإنسانية؟ هل تتحدد قيمتها بما هو أخلاقي أم بما هو عملي؟
أطروحة كانط:
يناقش إيمانويل كانط ما كتبه الفيلسوف الفرنسي بنيامين كونسطان: "إن قول الحقيقة ليس واجبا إلا نحو من لهم الحق في معرفة الحقيقة" وهو ما يعني أن الحقيقة لا تتميز بأنها  قيمة مطلقة بحيث أن تجريد الحقيقة والتعامل معه كمبدأ أو واجب أخلاقي سيجعل من المستحيل قيام المجتمع، ويوضح كانط أن هذا القول يفسح المجال لكل القيم  اللاأخلاقية كالتزييف والكذب والتضليل وهو ما يتناقض كلية مع أوامر العقل العملي الأخلاقي التي تنص على أن  قول الحقيقة واجب قطعي على الإنسان اتجاه كل إنسان مهما تكن جسامة الضرر الذي يمكن أن يترتب عنه بالنسبة إليه لأن التزييف والتضليل والتكذيب ليس بقيم تهم ذاتا إنسانية بعينها بل تهم الإنسانية جمعاء وتبرير هذه القيم والسلوكيات سيجعل بالتالي من كل القوانين والحقوق والالتزامات المؤسسة على العقود باطلة وهو ما يعتبر جورا وظلما في حق الإنسانية جمعاء الحقيقة غاية في ذاتها لأنها مرادفة للقول الصادق لذلك فسيادة الحقيقة بين الناس ضمانة كافية لحفظ التفاعل والتماسك وسيادة الاحترام والتبادل بين أفراد المجتمع الواحد وبالتالي فمن الواجب الفعلي والأخلاقي على الإنسان إتباع قواعد  العقل العملي الأخلاقي التي تقتضي احترام الإنسانية.
أطروحة هيدجر:
يستعرض مارتن هيدجر تصور الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه (1844-1900) لماهية الحقيقة كتصور جديد ومنفرد يتجاوز التصور التقليدي للحقيقة من خلال التفكير فيها كوهم أثبت فعاليته في الحفاظ على الحياة وفيما تمنحه للإنسان من إحساس بالقوة وبالقدرة على التكيف مع جودة ووضعيته وما تستلزمه متطلبات تطور الحياة، فالحياة بما هي تعبير عن إرادة القوة في حاجة إلى الوهم، وهم يرتدي زي الحقيقة التي هي بمثابة خلق ورغبة في الحياة وإبقاء عليها بمعنى أن ما يؤسس الحقيقة هو مدى تطابقها مع المتطلبات الحيوية لكل كائن وفق إرادة القوة أو الاختيارات الحيوية للذات، هكذا تتأسس ماهية الحقيقة على تقييم الأشياء ومنها قيمة الحقيقة من منظور الحفاظ على الحياة نموذجا وهو ما ينطلق أيضا على ملكات المعرفة الخاصة بإدراك الحقيقة سواء تعلقت بالأحاسيس والمشاعر أو بالحواس أو بالفكر التي لا ترى الحقيقي إلا متمثلا فيما هو نفعي أي ما يحقق مصلحته.
في جانب آخر يرى وليام جيمس أن الحقيقة ينبغي أن ترتبط بالمصلحة أو المنفعة الإنسانية في مختلف جوانبها التقنية والسياسية والاجتماعية والفنية...وتظهر علاقة الحقيقة بالمصلحة الإنسانية من حيث إن تفكير الإنسان لا ينصب إلا على المشاكل الواقعية المختلفة التي تواجه الإنسان في حياته وهو تفكير يبحث عن حلول لها لكي يحقق أهدافا فاعلية محددة  إن قيمة الحقيقة ترتبط بالنتائج الإيجابية التي يجنبها الإنسان منها في حياته العملية، إن الحقيقة عبارة عن أفكار موجهة إلى جانب سمتها العملية فالقضية الصادقة هي القضية الناجعة. يقول برجسون "إن الحقيقي ليس هو المطابق لما كان أو لما هو كائن، بل هو الموجه لما سوف يكون "إننا نخترع الحقائق لتستفيد من الوجود تماما كما تخترع الأجهزة الصناعية لنستخدم القوى الطبيعية إن الواقع يميل إلى الحركة والتغير لذلك تبقى الحقيقة استدعاء للمستقبل وتوجه نحوه وقيمة الحقيقة بهذا المعنى تكمن في كونها تهيئ معرفتنا ولاستباق ما سوف يكون إن الفكرة خطة للعمل وقيمتها في نجاح تلك الخطة بالتالي الحقيقة تتحدد بالمندفعة بالتالي هي وسيلة وليست غاية.
 
 -----------------------------------------------------------------------------------

مجزوءة  الســــياســـــة
مــدخـل عــام
ارتبط مفهوم السياسة باليونان حيث يعني عندهم تدبير شؤون دولة /مدينة أثينا التي كانت أول بقعة أرضية تظهر فيها فكرة السياسة بمعنى أكثر تطورا والسياسة هي الطريقة التي يتم بها تنظيم حياة الأفراد داخل مجتمع ما اعتمادا على مؤسسات مختلفة تشكل منها جهاز الدولة والسياسة في لسان العرب مشتقة من كلمة السوس يقال: :سست الرعية سياسة، والسياسة فعل السائس، وهو يسوس الدواب أي يرعاها  ونقول كذلك الوالي يسوس رعيته، أي يتولى قيادتهم.
أما الكلمة الفرنسية Politique فهي مشتقة من الكلمة اللاتينية Politicia التي تحمل دلالات كثيرة  تجمع بين الدولة والمدينة والدستور والنظام السياسي، الجمهورية والسيادة وهي فن صياغة القرار وتوليفه مرتبط ممارستها بالحنكة والفطنة والذكاء.
أما الفلسفة فقد اهتمت بالسياسة بشكل كبير وهكذا نجد مجموعة من النظريات منها القائلة بأن الإنسان كائن اجتماعي وسياسي بطبعه وتضفي النتيجة على ما ينبثق عن الممارسة السياسية من مؤسسات أو نظم سياسية طابع الثبات بوصفه الأمر الواقع الذي اقتضته طبيعة الإنسان (أرسطو- ابن خلدون) وبالمقابل تجنح نظرية "العقد الاجتماعي" الحديثة إلى التأكيد على أن الممارسة السياسية عند الإنسان قد أملتها ظروف تاريخية محددة تتمثل في تجاوز حالة الطبيعة نحو مرحلة المجتمع المدني.
إن السياسة كعلم تعني التوزيع السلطوي للقيم على كل وحدات النظام السياسي، إنها باختصار النظام الذي يمكن العثور عليه في كل المجتمعات والذي يعمل على إنجاز وظائف التكامل والتكييف داخليا وخارجيا كما أنها مقرونة بالقوة والعنف الإجبار في إطار قوانين تعتمدها الدول لضبط الحياة الاجتماعية للموطنين واستتباب الأمن فيها. بهذا فإن مفهوم السياسة نعثر عليه تارة مرتبط بالأخلاق والحق والعدالة في إطار ما يسمى بدولة الحق والقانون وتارة أخرى نجده كممارسة تشير إلى السلطة وما ينبثق عنها من ممارسات للعنف والاستبداد.
فالسياسة إذن ممارسة للسلطة داخل المدينة أو الدولة وبواسطتها يتم تثبيت القانون من خلال قوة عمومية تتجسد في مجموعة من الأجهزة  والمؤسسات فالممارسة السياسية تشكل أهم الممارسات البشرية، وهي التي تجعل الوجود الاجتماعي منظما وقائما على مبادئ عقلية قانونية وأخلاقية ولهذا لا يتحدد مجال النظر السياسي بمفهوم الدولة فقط، وإنما بمفاهيم أخرى مرتبطة بها كالحق والعدالة والعنف فالدولة ترتكز على قوانين تتوخى إحقاق الحق والإنصاف والعدالة والمساواة وتهذيب السلوك البشري، غير أن الناس مع ذلك وتبعا لمصالح محددة، يلتجئون إلى ممارسة العنف على بعضهم البعض، مما قد يضطر الدولة إلى التدخل بقوانينها وأجهزتها القضائية إلى إحقاق الحق وتثبيت العدالة فما هي الدولة؟ ومن أين تستمد مشروعيتها؟ وما الغاية منها؟ وكيف تمارس سلطتها السياسية؟ ما العنف؟ وما هي أشكاله ومظاهره؟ ما هو دور العنف في التاريخ وهل يمكن الإقرار بمشروعيته؟ ما الحق؟ ما العدالة؟ وكيف تتحدد العلاقة بينهما؟
I - الــــدولـــة
دلالة المفهوم :
تدل الدولة على التعبير القانوني المنظم عن المجتمع بوصفها مجموعة مؤسسات وأجهزة سياسية وإيديولوجية وتشريعات تسعى من ورائها المحافظة على وحدة المجتمع وتوازنه وكل ما يخدم الصالح العام، إن الدولة هي التي تمثل جهازا يشرف على مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والعسكرية الإدارية...إن الإنسان تظل حياته رهينة بوجود الدولة نظرا لما تضطلع به من مهام حيوية تهدف إلى اتساع النظام وتحقيق الأمن فضلا عن تأمين الحقوق الأساسية لأفراد المجتمع (تعليم – صحة – تعليم...) ورعاية تطلعاتهم نحو الحرية والعدالة – كما أن الدولة كمفهوم جاء وهو يحمل بالمقابل أشكالا جديدة من التعسف المسلط على الإنسان...إذ هيمنت الأقليات بالحكم وجعلت من العنف عنوانا للدولة وحين احتكرته وشرعته بدعوى المحافظة على وحدة الكيان الاجتماعي والصالح العام، وخلقت مؤسسات وأجهزة قيمة مكرسة جميعها لتأمين إرادتها وإخضاع باقي الإرادات لسلطتها.
المحور الأول: مشروعية الدولة وغايتها
إشكالية المحور:
من أين تستمد الدولة مشروعيتها من الحق أم من القوة وكيف يكون وجود دولة ما مشروعا؟
أطروحة ماكس فيبر:
يؤكد عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر (1846-1920م) أن هناك أنواع من المشروعية عبر التاريخ، مشروعية الحكم اعتمادا على التراث وحماية الماضي واستلهام الأجداد والمشروعية المرتبطة بشخص ملهم يمثل سلطة دينية وأخلاقية أو إيديولوجية ويحكم باسمها والمشروعية  المؤسسية المستمد من التمثيلية الانتخابية ومرجعية القانون والمؤسسات فالدولة بوصفها تجمعا سياسيا منظما إداريا وقانونيا حسبه دائما تقوم أيضا على العنف باعتباره وسيلتها المميزة التي لا يمكنها الاستغناء عنه لذلك تجلت وظيفة الدولة الأساسية في ممارسة العنف المادي المشروع والمنظم بقوانين وإجراءات، فهي وحدها من لها الحق في ممارسة العنف لفائدته، ووحدها من تملك الحق وتحتكره لهذا فالدولة هي جهاز محتكر للعنف والقسر المادي المشروع، ومعناه أنها وحدها الجهة الوحيدة التي تمتلك وسائل العنف وتستخدمها في الداخل والخارج في إطار تدبيرها العقلاني لشؤون الموظفين، والتي يعود إليها وحدها إضفاء المشروعية على أي وسيلة عنف داخل أراضيها لذلك يقول ماكس فيبر : "إن الدولة هي المصدر الوحيد الذي لها الحق في ممارية العنف لحماية الحق العام لكن إذا كان الأمر كذلك فكيف يكون وجود دولة ما مشروعها؟
أطروحة هوبز:
إن غاية الدولة حسب الفيلسوف توماس هوبز (1588-1679م) هي تحقيق الأمن والسلم الاجتماعي وقد عبر عن جل آرائه في الدولة من خلال كتابه اللافياتان والذي يبرز فيه أن الإنسان في سابق عهوده كان يعيش حالة ذات قانون واحد وهو قانون الذئاب الذي يخول لكل إنسان كامل القدرة على ممارسة إرادته الشخصية لتحقيق رغباته الذاتية وحفظ حياته وبقائه فكانت حالته حالة حرب قائمة بصورة علنية أساسها الصراع والتوحش والبقاء للأقوى، لذلك فالسبيل الوحيد للحد من حالة الخوف هذه الدائم وخطر الموت هو تهيئ حالة اجتماعية تكون نتيجة لتعاقد اجتماعي يلزم وجود قوة  لها سيادة على الجميع، تحد من العنف وتصون الحياة الاجتماعية عبر تخلي الكل على قوتهم الفردية ونقلها إلى السلطة العامة كنتيجة لقرار جماعي وتوافق عام عليها، هذه السلطة هي الدولة التي تعتبر أساس النظام السياسي المستقر القادر على حماية المواطنين وضمان حريتهم في ظل الاستقرار السياسي والأمن ويكون على رأسها حاكم يتنازل له الكل عن إرادتهم وتوكل له القدرة التشريعية ويعمل على تنظيم المجتمع حسب ما يراه ضروريا ومناسبا فللدولة سلطة مطلقة وهذه السلطة التي يتمتع بها الحاكم غايتها ليست السعادة الخاصة والانفراد بالحكم والاستبداد، وإنما لضمان السلم وحماية ممتلكات الأشخاص، على اعتبار أن مصلحة الحكم والمحكوم واحدة.
 أطروحة هيجل:
أما بالنسبة للفيلسوف الألماني هيجل (1770-1831م) فالدولة هي ذلك التعبير عن المجتمع المدني الذي يروم تحقيق مصلحة الأفراد الذاتية والمرتبطة بحياتهم اليومية نتيجة التقدم الذي تعرفه الإنسانية فهي تبدأ من الأسرة مرورا من لحظة المجتمع المدني وصولا إلى الدولة. باعتبارها تجسيد للمطلق، إنها الغاية النهائية الثابتة التي لا تتفكك ولا تتلاشى وتحقق فيها الحرية قيمتها العليا باعتبارها حرية كونية وليست فردية، لذلك لا يجوز الخلط بين الدولة والمجتمع المدني حسب هيجل لأنه قائم على مصلحة الأفراد الذاتية والمرتبطة بحياتهم اليومية كالتعليم والأمن والصحة مثلا وهذه كلها من اختصاص مؤسسات المجتمع المدني، أما الدولة فهي غاية وليست لتحقيق أي مصلحة شخصية، إنها الغاية المطلقة والنهائية للوعي الذاتي الفردي، التي يذوب الأفراد  فيها في الكلي وتتم خلالها التضحية بالمصالح الفردية من أجل المصلحة الكلية، فالدولة نظام سياسي وعقلاني يتطلب إرادة جماعية  كلية لا إرادة فردية جزئية، بل هي المجتمع كله والتجسيد السياسي لحياته الأخلاقية، الدولة أيضا هي المشاركة في النحن، أي في مجتمع إنساني شامل يحرر الفرد من تمركزه حول ذاته وحول مصلحته الشخصية، إنها الارتقاء من الفردي نحو العام والكوني. 
المحور الثاني: طبيعة السلطة والسياسية
اشكالية المحور:
هل يمكن حصر السلطة السياسية في أجهزة الدولة أم أن السلطة قدرة مشتتة في كل المجتمع؟ هل هي متعالية عن المجال الذي تمارس فيه أم محايدة له؟  
أطروحة ألتو سير:
يرى ألتويسر أن السلطة تمارس من خلال أجهزة الدولة سواء تعلق الأمر بأجهزتها القمعية كالإدارة والجيش والشرطة والسجون أو بأجهزتها الإيديولوجية كالمدرسة والإعلام والنقابة والأحزاب...
لذلك فبالنسبة لألتو سير عندما نتحدث عن الدولة فإننا نثير العلاقة بين الدولة كأجهزة ومؤسسات منظمة للمجتمع، وبين الأفراد الخاضعين لقوانينها فمتى ابتنت العلاقة بين الدولة والمواطن على احترام المبادئ الأخلاقية المتعارف عليها، فإن ممارسة الدولة تكون في هذه الحالة ممارسة مشروعة والعكس صحيح
أطروحة فوكو:
يعتبر مشال فوكو أن السلطة تسري في الجسم الاجتماعي برمته، وأنها الاسم الذي يكن إطلاقه على وضعية إستراتيجية معقدة في مجتمع معين تجعل مفعول السلطة يمتد كعلاقة قوة في منحى من مناحي الجسم الاجتماعي فلا ينبغي إذن النظر إلى السلطة كملكية قارة ومستقرة في يد ذات فردية أو جماعية إن السلطة منبثة في كل العلاقات الاجتماعية والرمزية المتعاقدة، لا تفرض السلطة من فوق، بل تأتي من ذات لا تخلي في العلاقات الثنائية بين الحاكمين والمحكومين، بل بالأحرى في علاقات القوة الجسدية في آليات الإنتاج داخل الأسرة والمجموعات الصغيرة، داخل المؤسسات وتسري في الجسد الاجتماعي بأسره. إن السلطة تحمل في منظور فوكو طاقة سلبية تنفي ما يعادلها ويعارضها ولا تجيز فعل سوى ما تسمح به. فهي تحتوي على تقنيات قمعية وعلى طرق مباشرة لنفي الحاجات الحيوية تمارس السلطة قمعها من خلال تحريض الذوات المسلوبة الإرادة على مزيد من الإنتاجية والنجاعة والمر دودية.
المحور الثالث: الدولة بين الحق والعنف
إشكالية المحور:
هل تمارس الدولة سلطتها بالقوة أم بالقانون، بالحق أم بالعنف؟
أطروحة ميكيافلي :
ميزت فترة ميلاد الدولة الحديثة بالدعوة للانقلاب من سلطة الكنيسة وكان ميكيافلي من أبرز من دعوا إلى أهمية التنصل والتملص من سلطة الباباوات الذين  اجتهدوا على تأكيد البعد الروحي لها، ومن ثمة انتزاع السلطة منهم لتسلم إلى شخص "الأمير" لأنه يجسد سلطة الحاكم. إن السياسة مجال الصراع المستمر الذي يستهدف امتلاك السلطة والمحافظة عليها باللجوء إلى كل الوسائل التي من شأنها تحقيق هذه الغاية، سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة لأن "الغابة تبرر الوسيلة" تتجلى أيضا هذه الخاصية  في تأكيد مكيافيلي على أن بفضل الحقيقة الواقعية على الصورة التي يكونها الإنسان عن الواقع والسياسية في تجلياتها الواقعية لا تتمثل في الاستقامة أو الوفاء بالعهود بدليل أن الحكام الذين أخلوا بالمواثيق واعتمدوا أساليب المكر والخداع قد حققوا مجدهم على حساب من جعلوا الوفاء عنوانا لممارستهم السياسية وبناء على ذلك، يؤكد في نصائحه للأمير على ضرورة المزج بين قوة الأسد ومكر الثعلب لضمان التغلب على الخصوم ذلك كما يوضح ماكيافيلي نفسه حين يقول: "ينبغي على كل من يريد تأسيس الدولة وسن القوانين أن يسلم بأن الناس أشرار وأنهم مستعدون لإظهار شرهم كلما وجدوا الفرصة المناسبة لذلك"
أطروحة إنجلز:
يرى إنجلز فريدريك الفيلسوف الألماني (1820-1895م) بأن الدولة هي نتاج ومظهر لعدم   إمكانية التوفيق بين المصالح الطبقية المتضادة وتنشأ الدولة كنتاج لمجتمع ما عند درجة  معينة من تطوره، فالدولة بالنسبة له ذلك "الاعتراف بأن المجتمع قد تورط في تناقض مع ذاته غير قابل للحل، وأنه قد تصدع إلى تناقضات لا يمكن التوفيق بينها ولا طاقة له بالخلاص" ولكي تقوم هذه التناقضات، وهذه الطبقات ذات المصالح الاقتصادية المتصارعة، باستهلاك أنفسها والمجتمع في نضال عقيم، أصبح من الضروري قيام سلطة تقف في الظاهرة فوق المجتمع، سلطة تهدئ الصراع وتبقيه في حدود النظام وهذه السلطة المنبثقة عن المجتمع والتي تضع نفسها فوقه  وتنسلخ عنه أكثر فأكثر هي الدولة ، إن الدولة هي جهاز للحكم الطبقي جهاز لاستبداد طبقة بأخرى، فخلق "النظام" هو الذي يوطد أركان هذا الاستبداد ويجعله مشروعا وذلك عن طريق تلطيف حدة الصراع بين الطبقات وأن الدولة لا يمكن أن تنشأ أو تبقى إذا كان التوفيق بين الطبقات أمر ممكنا إنها باختصار
(الدولة) نتاج المتناقضات التي لا يمكن التوفيق بينها.
 
II- العـــــــــــنــــف
دلالة المفهوم :
يستخدم لفظ العنف لوصف كل سلوك، فردي كان أو جماعيا، يقوم على استخدام القوة بهدف إخضاع الغير ضد على إرادته ومعنى ذلك أن القصيدة هي التي تجعل من سلوك ما عنيفا، وليس فقط ما يترتب عن الشغل من آثار تدميره وعليه يصب العنف هو إلحاق  أذى جسمي أو نفسي أو معنوي بفرد أو جماعة بشرية، إن العريف الشامل للعنف يطال كل أشكاله من حيث طبيعته (عنف جسدي، عنف نفسي، عنف معنوي أو رمزي) وكل أدواته ابتداء من الكلام إلى وسائل  العنف والتعذيب الحديثة المتميزة باستعمال الوسائل التقنية بالتخصص والمهنية العالية.
المحور الأول: أشكال العنف
إشكالية المحور:
ما طبيعة العنف؟ ما أشكاله ومظاهره؟
أطروحة ايف ميشو:
يرى ايف ميشو (1942م) الفيلسوف الفرنسي المتخصص في العنف أن الحرب تمثل أقصى مظاهر العنف باعتبارها فعلا يقوم على استخدام غير محدود للقوة غايته إرغام الغير على الخضوع عبر تحطيم قدرته على المقاومة، ولذلك ولتحقيق هذه الغاية تعتمد الحرب على الاستعانة بكل الأجهزة والتقنيات التي يوفرها التقدم الصناعي والعلمي، حيث لا يعرف استخدام القوة حدودا معينة قد تقن دون الوصول إلى إخضاع الخصم ومن تم فالحرب لا تتغير من حيث طبيعتها كسلوك بشري عنيف موجه ضد إرادة الغير وتلك حتى وإن كان من الممكن في بعض الظروف – التخفيف من حدتها فالحروب التي تدور بين الشعوب "المتحضرة" أقل عنفا نظرا للتقدم الحاصل في المجال الاجتماعي والقانون الدولي مقاربة مع الحروب التي تخوضها الشعوب الغير متحضرة لكن جوهر الحرب يظل هو هو أي ممارسة العنف من أجل إجبار المنهزم على الاستجابة لمطالب المنتصر وتنفيذ إرادته  أن العنف تتنوع أشكاله ومظاهر علاوة على إمكانية التمييز بين عنف مادي وآخر رمزي يختلفان من حيث طبيعة الوسائل المستخدمة، فالعنف بوصفه استخداما للقوة ضد إرادة الغير قد يأخذ شكل عدوانية فردية وجماعية مثل نقص التغذية، الإعدامات الانتحار، العنصرية، الاضطهاد، عدم التسامح، الحروب الاستعمارية، حروب التحرير، الاعتقال، إعادة التربية والإجرام أضف إلى ذلك مساهمة تكنولوجيا الوسائل عبر التسلح الفردي والتخريب الجماعي والتجارة الدولية للأسلحة وكذلك المساعدات المتعلقة بالتجارة العسكرية وهذه التكنولوجيا المتقدمة هي من تساعد على انتشار ظاهرة العنف وآخر مظاهرها الإرهاب إن الإعلام يساهم بدوره حسب الفيلسوف "ميشو" في نشر العنف بكل الطرق الممكنة لأنه من جهة أصبح متداولا بكيفية ترسخه ومن جهة ثانية تستعمله الصحف ووسائل الاتصال الأخرى بالطريقة التي تشاء إذ فيها يتلازم العنف الواقعي وانتشاره الإعلامي مثل: الإرهاب العالمي، التعذيب، الإعدامات...
أطروحة بورديو :
يتحدث عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي بيير بورديو (1930-2002م) عن شكل آخر من العنف، هو العنف الرمزي الذي هو شكل لطيف يصدر عن فاعل اجتماعي ما يوافقه وبتواطئه، وتجدر الإشارة إلى أن العنف الرمزي هو كل أشكال العنف غير الفيزيائي، أي أشكال العنف القائمة على إلحاق الأذى عبر الكلام واللغة أو التربية أو العنف الذهني وهو درجات حيث يقوم معظمه على تكييف رد فعل المتلقي ليتقبل العنف اللطيف ويعتبره أمرا عاديا وهذا ما يتجلى في الإيديولوجيا والأفكار المتداولة من حيث هي عنف لطيف وغير محسوس تتراوح بين الوعي والتي تعبر عن تصورات ومصالح اجتماعية أو مهنية هذا العنف الرمزي يظهر مثلا في المنظومة الثقافية التي يتجلى للناس ثقلها التربوي والاجتماعي كأيديولوجيا تمارس العنف وتفرط أنماط الرمزية كالمدرسة على سبيل المثال تتجلى وظيفتها في إعادة إنتاج الشحنة المعرفية التي هي عبارة عن نشاط فكري رمزي ثقافي وهي كذلك آلية وسلطة قادرة على أن تستمر في ذوات الناس بعد توقف النشاط البيداغوجي لأنه يجب فيما بعد أن يبرز دور المدرسة بين الكائن الذي أنتجته وبين السياق والمحيط الذي يوجد فيه  ذلك الذي يسميه بورديو بالعنف الرمزي من خلال مفهوم "الهابتيس" التي تبقي طاقة لإعادة إنتاج السياقات الثقافية والاجتماعية في منظومة كبرى هي المدرسة.
المحور الثاني: العنف في التاريخ
اشكالية المحور:
كيف يتولد العنف في التاريخ البشري؟ هل يمكن إقامة عالم  أكثر إنسانية و أكثر عدالة بالاستعانة بالعنف؟
أطروحة ماركس:
ينطلق الفيلسوف الألماني كارل ماركس (1818 – 1883م) من التأكيد على العامل الاقتصادي في تطور المجتمعات البشرية كما يتضح ذلك في نظرية أنماط الإنتاج الذي يمثل فيها الانتقال من نمط إنتاج إلى آخر تقدما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي فمع بروز المجتمع الطبقي القائم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج أصبح كل نمط إنتاجي ينطوي على تناقض بين قوى وعلاقات الإنتاج يعبر عن نفسه في صورة صراع طبقي عنيف يؤدي إلى تحول ثوري عندما يبلغ درجته القصوى وبهذا المعنى يمكن الحديث عن عنف اقتصادي يظل سمة ملازمة لتطور المجتمعات الطبقية، ويحدد كذلك مسار العنف السياسي لأن الحالة الاقتصادية التي تتحكم في النظام السياسي بشكل يجعله مهددا بالزوال عندما يصبح عقبة في وجه التطور الاقتصادي كما تؤكد ذلك حالة كل من الثورات التي تكون في مجموعة من البلدان إن الدولة لا توجد بالنسبة له إلا حيث توجد التناقضات الطبقية والصراع الطبقي.
أطروحة روني جيرار:
ترتكز أطروحة روني جيرار (1923م) على  أن الرغبات الإنسانية تخضع لقانون المحاكاة أي أنها محاكاتية ومعنى هذا أنها رغبات تتجه نحو موضوعات يرغب فيها الناس الآخرين  أيضا وكلما كانت رغبة الآخرين قوية وشديدة كانت رغبة الأنا أيضا قوية وشديدة، وهذا معناه أن التنافس يجمع صراعا شخصيا وتتنامى احتمالات اندلاع عنف مفتوح إن الصراع الإنساني هو بالأساس نتاج للتنافس فبالنسبة للحيوان هذا الصراع يجد حلا عن طريق سيطرة الحيوان الأقوى على الأضعف وهنا يستتب الأمن إلى حد ما أما لدى الإنسان فالأمر لا يسير بالطريقة نفسها، ذلك لأن الناس لا يخضعون تلقائيا بل يقومون بأعمال عنف لا تنتهي داخل النوع وهكذا يمارسون الانتقام المؤجل ويجعلون هذه عبر التقليد والمحاكاة قضية الجماعة، إن العنف الإنساني إذن عنف معدي: فهو ينتشر في الجماعة من فرد لفرد وهذا ما يسمى "بأزمة المحاكاة" والذي يمكن أن تؤدي إلى قيام مذابح جماعية. إذن بالنسبة لروني جيرار فالعنف له ثلاث جوانب:
1- العنف له دور في التاريخ وفي صيرورة  المجتمعات وذلك يظهر في اندثار بعض الحضارات والأعراف.
2- وجود العنف وحضوره في جميع المجتمعات والثقافات ومعنى هذا حسبه انه  يسود في البداية داخل الجماعات عنف داخلي (عنف معمم ودائم) أي ذلك العنف الذي يسكن في النفسية الفردية والجماعية، ثم يتم عادة التضحية بشخص [عادة ما يكون أجنبيا أو غريبا أو أسيرا] تسبب له الجماعة جميع المساوئ والشرور والخروقات التي يعرفها المجتمع فيطرد ذلك المجتمع ذلك الشخص وينفيه أو يقتله...
3- كيفية تعامل الثقافات مع مشكل العنف يبقى  الدين هو المؤسسة الأولى ذات الأهمية القصوى في هذا المجال حيث يجعل الإنسان يعترف بذنب العنف. 
المحور الثالث: العنف والمشروعية
إشكالية المحور:
هل يمكن الإقرار بمشروعية العنف من زاوية الحق والقانون والعدالة؟
أطروحة ماكس فيبر :
يرى ماكس فيبر أن جوهر السلطة هي ممارسة العنف وأن الدولة وحدها لها الحق والمشروعية في استعمال العنف واحتكار الدولة للعنف راجع إلى كونه شرطا أساسيا لبقائها والمحافظة على النظام الذي تقوم عليه فالدولة بوصفها تجمعا سياسيا منظما إداريا وقانونيا تحتاج إلى العنف لضبطه واحتكار استعماله لصالح المجموع، وعندما يغيب العنف فإن الدولة تضمحل ويختفي، فالتعاقد الاجتماعي أطروحة غير صالحة لأنها تعني ببساطة تنازل الدولة عن حق استعمال العنف في إطار نظام سياسي حديث ويتم تقسيم السلط ومراقبتها لبعضها البعض وتقوم فيها السلط على التمثيلية والانتخاب.
وهذا أمر يرفضه ماكس فيبر ويدعو صراحة إلى احتكار الدولة للعنف المادي المشروع فسر وجود واستمرار الدولة هو إخضاعها للناس عبر السلط عن طريق العنف فالدولة العصرية تقوم على العنف وفقا للشرعية العقلانية والقانونية التي تنظم علاقة السلطة بالمواطنين أي أنه عنف مشروع متفق عليه غايته حفظ الأمن وحماية الصالح العام.
أطروحة غاندي :
يرى غاندي ( 1869-1948م) أن اللاعنف لا يقتصر على غياب الإرادة السيئة اتجاه كل ما يحيا بل يتعداه إلى الإدارة الطبية اتجاه كل ما يحيا وهذا في نظره هو اللا عنف الفعال وحدد غاندي السمة الأساسية للعنف في النية العنيفة أي الرغبة في إلحاق الأذى وقد لاحظ أن العنف لم يفد الإنسانية في شيء ودعا إلى الجمع بين الحب ومعارضة الشر، فهو ليس تخليا عن الصراع ضد الشر بل العكس كفاح وصراع فعال ضده. إن العنف بالنسبة له يبقى شيء سلبي هدام لا يمكن أن يصلح أساسا لبناء أي شيء إنه بنية سيئة تضمر حقدا، لذلك فهو يدعو بوضوح إلى اللا عنف الذي قدسه كثيرا وتدين به ودعا إليه لأنه ليس شيئا سلبيا واستسلاميا، بل هو نضال ضد الشر والحقد وكل المظاهر السلبية وبالتالي يمكن للا عنف أن يحقق أشياء إيجابية أما العنف فهو منبوذ لأنه سلبي ولا إيجابية له وعليه لا أحقية ولا مشروعية له.
III- الحـــق والعـــدالة
دلالات المفهومين :
في التمثل الشعبي الاجتماعي :  يتم تداول بمعنى الحقيقة والصواب النصيب، الإنصاف كما أنه اسم من أسماء الله الحسنى ويعني العدل المطلق
في الدلالة اللغوية : ففي اللغة العربية يعني الثابت والعدل والاستقامة وهو نقيض الباطل وفي اللغة الفرنسية Droit مشتقة من الأصل اليوناني Diractus وتعني مستقيم بالمعنى الهندسي والاستدلال
 من الناحية الفلسفية : فالحق أصبح يفهم من حيث كونه يكمن في وجوب قبول واحترام حرية كل فرد ككيان مجرد طبقا لقانون كوني يهدف إلى الحفاظ على توازن للقوى يرضي مختلف الأطراف.
أما العدالة فهو لفظ يدل في التداول العام على احترام حقوق الغير والدفاع عنها كما يدل على الخضوع والامتثال للقوانين والإخلاص لواجباتنا نحو الآخرين
 وفي اللغة العربية :  فمعنى العدالة  هو الاستقامة ويرتبط بالميزان لأنه يزن أفعالنا دون زيادة ولا نقصان وفي اللغة الفرنسية تشتق كلمة Justice من الكلمة اللاتينية Jus والتي تعمي الحق Droit أو Judex وهو قول الحق Dire le Droit  والعادل Juste  وهو قائل الحق،
  أما الفلسفة فهي تنظر إلى علاقة الفرد بالمؤسسات الاجتماعية ومنه يكون مرادف للفضيلة كما يشير إلى علاقات الأفراد فيما بينهم والعدالة تدل على ما ينبغي أن يكون عليه سلوك الفرد في تعامله مع غيره من أفراد المجتمع وعليه تكون العدالة هي صفة لما هو عادل ويستعمل هذا اللفظ عند الحديث عن الإنصاف أو الشرعية
المحور الأول: الحق الطبيعي والحق والوضعي
إشكالية المحور:
هل العدالة ترتبط بالحق الطبيعي أم تقترن بالحق الوضعي؟
أطروحة هوبز:
يرى توماس هوبز أن أساس الحق طبيعي ويقصد به "الحرية التي لكل إنسان في أن يتصرف كما يشاء في إمكانياته الخاصة للمحافظة على طبيعته الخاصةّ " حق الطبيعة هو حق لا حدود له ولا مانع أمامه وفي غياب الدولة والقوانين لا شيء يحد من هذا الحق الطبيعي ويمتلك كل فرد بموجب غياب القانون حقا طبيعيا هو حريته التي يتصرف بمقتضاها كما يشاء في إمكانيته الخاصة إن الحق الطبيعي لن يرسخ العدالة بل سيقود إلى ضياع الحقوق وإلى الدمار إن العدالة تتأسس على الحق الذي يتأسس على رغبة الإنسان في تجاوز حالة الطبيعية التي هي  حالة حرب الكل ضد الكل يكون فيها الإنسان حرا يتصرف طبق إرادته الفردية ورغباته وحقه الطبيعي يمتد إلى الأشياء بما فيها أجسام الناس مثله وما دام الإنسان في هذه الحالة ذئبا للإنسان الآخر فإن تجاوزه يصبح ضروريا لخلق التعايش في حالة جديدة هي الحالة الاجتماعية لكنه يفقد حقه الطبيعي وحريته في الوقت الذي يختار توكيل طرف آخر يقرر ويختار محله وبشكل مطلق. لكن ألا يمكن القول بأن هذا الحق يضمن العودة إلى حالة الحرب التي يشنها  الحاكم على المحكوم باسم الحق؟
أطروحة روسو :
وضع الفيلسوف الفرنسي جو جاك روسو (1717-1778م) تصوره لمفهوم الحق والعدالة على أساس ما شهده من انحرافات في المجتمع الفرنسي، فكان بذلك خير معبر عن مشاكل فرنسا السياسية والاجتماعية وتتلخص أطروحته فيما يلي: يرى روسو أن الحياة الأولى للإنسان هي حالة الطبيعية أي حالة الفطرة التي تتسم بثلاثة مبادئ أساسية: الحرية، المساواة ومبدأ العدالة لكنها لا توجد بها قوانين طبيعية أو دينية منظمة لذلك عاش الإنسان حالة من العزلة الاجتماعية إن الحياة إذن لا يمكن أن تستمر بهذا الشكل اللإ نظامي لذلك سعى الإنسان إلى حالة المجتمع أو الحياة الاجتماعية المنظمة بشكل أفضل لغرض مواجهة مخاطر البيئة الطبيعية والخارجية التي رغم ما فيها من إيجابيات إلا أنها بها مظاهر سلبية عديدة لذلك على الإنسان أن يتخلى عن حقوقه الطبيعية من اجل إيجاد سلطة عليا تخضع للإرادة العامة أي إرادة الشعب الذي يجب أن يكون هو صاحب السلطة السياسية من أجل تنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية لأفراد المجتمع لجأ "روسو" إلى بناء القوة أو النسق الطبيعي في المجتمع، حتى يستطيع أن يطلب منه الأفراد الخضوع الكامل له، وهذا ما تجلى في تركيزه على الإرادة العامة التي لا تتجزأ ولا تقترب بذلك يلتزم كل مواطن بأن يقدم للدولة كل ما تطلبه منه ويؤكد أن الحضور الكامل  للدولة في حياة الفرد لا يعتبر قهرا  وإنما يعتبر أساسا ضروريا لحريته  وبما أنه يستحيل العودة إلى حالة الطبيعة الأولى ومن أجل القضاء على الطمع والحسد والأنانية والسرقة و القتل... في المجتمع فقد خطر المجتمع إلى تنظيم شؤون عن طريق التعاقد الاجتماعي بين أفراده ليعيشوا حياة يتوفر فيها كل ما يشبع حاجياتهم الأساسية وبذلك قدم "روسو" حلا لمشكلة بناء النظام السياسي يقترب من الديمقراطية السياسية الشعبية المباشرة
المحور الثاني العدالة كأساس للحق
إشكالية المحور:
ماهي  العدالة؟ ما علاقة العدالة بالحق؟  وأيهما أساس للآخر؟
أطروحة أرسطو:
يرى أرسطو (384-322 ق م) أن العدالة فضيلة مكتملة وسامية لأنها تبهرنا بلمعانها أكثر من انبهارنا بلمعان نجمة في قلب السماء" لذلك فهو يميز بين مفهومين للعدالة:
الأول: عام وتعني العدالة بموجبه الخضوع للقوانين والضمير الأخلاقي، حفاظا على المصالح العامة وبذلك تكون العدالة مرادفة للفضيلة.
أما الثاني فتعني من خلاله العدالة المساواة وفي هذه الحالة تسمى إنصافا Equité وحينما تصبح العدالة إنصافا تكون أمام نوعين من العدالة: عدالة توزيعية Justice distributive وتعني توزيع الخيرات وثروات المجتمع على أفراده حسب طاقاتهم وأعمالهم وعدالة تعويضية Justice corrective وتتمثل في تنظيم المعاملات بين أفراد المجتمع على أساس القوانين والأعراف وهدفها هو تصحيح السلوك الخارج عما تحدده القوانين فهي عدالة تعاقب المجرم وتعوض أولئك الذين يذهبون ضحايا تطبيق القوانين.
إن العدالة كإنصاف تمثل "حد أوسط" بين الإفراط والتفريط، وصاحبها صديق الفضيلة بفطرته ويمتلك حكمة نظرية وهو قادر على تسيير شؤون المدينة على أسس عقلية متينة وتلك هي قمة الفضيلة والعدالة في المجتمع كممارسة إلا بقدر ما يوجد أفراد عادلون أو أولئك الذين يطبقون العدالة كفضيلة
أطروحة فون هايك :
يرى الفيلسوف البريطاني فريدريك فون هايك (1899-1992م) أن العدالة أساس الحق إذ يعتبرها الفضيلة الأولى للمؤسسات السياسية ذات البنيات السوسيواقتصادية للمجتمع، إن العدالة تمثل القاعدة الأساسية لكل مجتمع منظم عقلانيا يروم إرضاء النفع العام وينال رضا كل المتعاقدين المنضويين فيه تحت تعاقد معلن، فكل الناس أحرار ولهم الحق في النسق الموسع للحريات الأساسية بالتساوي (المساواة) أولا، وثانيا من الطبيعي أن تنتج عن هذا النسق الموسع للحريات فرواق اجتماعية واقتصادية هائلة بين الناس لكن شريطة أن تنظم بكيفية تكون في مصلحة الأكثر حرمانا ونابعة من مبدأ تكافؤ الفرص في الوظائف والوضعيات التي ينتجها النظام الليبرالي لذلك فالسلوك العادل هو سلوك يكفل الحق في منظومة قانونية شرعية في إطار مجتمع تسوده الحرية وعليه لا تكتسب العدالة دلالتها إلا في إطار نظام شرعي.
المحور الثالث: العدالة بين المساواة والإنصاف
إشكالية المحور:
هل ينبغي تطبيق العدالة بين الناس بالتساوي أم يجب إنصاف كل واحد منهم بحسب تميزه عن الآخرين؟ إذا كانت العدالة تهدف إلى خلق المساواة في المجتمع، فهل بإمكانها إنصاف جميع أفراده؟
أطروحة أفلاطون :
يرى أفلاطون (327-447ق م) أن العدالة الاجتماعية يكمن شرطها في التفاوت في التركيبة العضوية والقدرات العقلية والأدوار الاجتماعية إن العدالة تتطلب من الفرد "أن يقوم بعمله وأن لا يتدخل في عمل الآخرين" ولهذا فالعدالة لا تقوم على القوة والمنفعة، بل تقوم على الفكر أي تنبع من صميم تفكير الفيلسوف الذي يسعى إلى بلوغ الخير الأسمى إنها فضيلة يحققها الفرد في نفسه أولا وذلك من خلال تحقيق الانسجام بين عقله وعاطفته وشهوته، إذ تجمع وتوحد القوى المشتتة في قوة واحدة (قوى النفس ثم قوى المجتمع) لذا فالعدالة ليست مجرد فضيلة مزرية منعزلة بل هي "أم الفضائل" فهي التي تمثل ذلك النظام بين قوى النفس الثلاثة: القوة العاقلة والقوة الغاضبة والقوة الشهوانية والحكمة تقتضي أن تخضع القوتان الشهوانية والغاضبة إلى القوة العاقلة لتصل القوة الشهوانية إلى فضيلتها التي تتجلى في العفة والاعتدال، وتسمو القوة الغاضبة إلى فضيلتها التي تتمثل في الشجاعة وهكذا كلما قام الفرد بأداء الوظيفة التي تناسبه، كلما كان هناك توافق على مستوى البناء الاجتماعي، بمعنى أن الحرف والمهن التي يمارسها الفرد تتناسب مع مؤهلاته النفسية أي مع درجة تحكم عقله في سائر قواه النفسية الأخرى، إن عدالة الدولة هي صورة مكبرة لعدالة الفرد بواسطتها يتم احترام النظام الاجتماعي ويحقق المجتمع انسجاما يشبه ذلك الانسجام الموجود في النفس، والمدينة لن تصبح عادلة إلا إذا حكمها الفلاسفة الذين يتأملون وضعها، ويشرعون لها قوانين تنظم شؤونها وترسخ مبادئ النظام والانسجام والتوازن فهل ينبغي الاكتفاء بهذا التصور؟
أطروحة شيلر:
حسب ماكس شيلر (1874-1928م) المطالبة بالمساواة المطلقة هي عدالة جائزة، لأن العدالة لا تتمثل في المطالبة بالمساواة المطلقة بين الناس لأنها مساواة جائرة ما دامت لا تراعي الفروق بين الأفراد فيما يخص الطبائع والمؤهلات التي يتوفرون عليها، فالعدالة المنصفة هي التي تراعي اختلاف الناس وتمايز طبائعهم ومؤهلاتهم، ومن الظلم أن نطالب بالمساواة المطلقة بين جميع الناس، ذلك أن وراء هذه المطالبة بالمساواة كراهية وحقد على القيم السامية، ورغبة دفينة في خفض  مستوى الأشخاص المتميزين إلى مستوى الأشخاص الذي هم في أسفل السلم. هكذا ينتقد ماكس شيلر ما يسميه بالأخلاق الحديثة التي تقول بأن جميع الناس متساوون أخلاقيا بالتالي تنفي التفاوتات الموجودة بينهم على مستوى ما يتوفرون عليه من مؤهلات وبدلا من هذه الأخلاق العقلانية التي تنادي بالمساواة الصورية والنظرية يقترح شيلر ما أسماه بالأخلاق الموضوعية التي تأخذ بعين الاعتبار الفوارق بين الناس على أرض الواقع وهنا تكمن العدالة المنصفة التي تحافظ على القيم السامية التي يتمتع بها الأشخاص المتفوقون.

---------------------------------------------------------------------------------------
 
مجزوءة الأخــــــلاق
مـدخــــل عـام
يعد موضوع الأخلاق من المباحث الأساسية التي انشغلت بها الفلسفة ضمن مبحث الأكسيولوجيا، وقد سعى مبحث الأخلاق إلى تحديد القيم الموجهة للفعل الإنساني بهدف رسم غايات هذا الفعل. إن الإنسان مشروط بمثل أخلاقية سامية توجه سلوكاته وتنظم علاقته بالآخرين، والأخلاق تتضمن قيم إيجابية ومثل عليا تشكل كبحا للنوازع البشرية الشريرة والعدوانية لدى الإنسان، وقد اختلف الفلاسفة حول مشكلة الأخلاق وعلاقتها بالواجب والحرية والسعادة.
الواجب هو الأمر الأخلاقي الملزم لكل الناس، وهو مرتبط بظروف اجتماعية ونفسية، ومن ثمة فهو مرتبط بالعادة والنظام الديني والأخلاقي للمجتمع أو استجابة لتطورات وحاجات فئة اجتماعية أو عرقية أو غيرها.
السعادة هي إرضاء كل الميول وإشباعها، وهي حالة إرضاء تام تستأثر بمجامع  الوعي إن السعادة مفهوم تتقاطع فيه حقول مختلفة بيولوجية واجتماعية وسياسة وميتافيزيقية وسيكولوجية.
الحرية: تقاس بالقدرة والمشيئة الإلهية، عند البعض، وهي تعني، غياب القيود والقدرة على فعل مالا ينبغي فعله، وهي تعني كذلك الوعي يتحكم فينا والسعي إلى التحرر منه.
إن الفعل الإنساني يتميز ببعده الأخلاقي القيمي المتمثل في القواعد المنظمة للسلوك الإنساني والتي تخول له السيطرة على أهوائه الذاتية ومعالمه الفردية، فالأخلاق كابح للنزوات الشريرة والخيرة وتجنب الأذى. فإذا كانت الأخلاق أوامر وواجبات فمن أين تستمد قدرتها على الإلزام؟ هل الأخلاق إلزام منبعه الذات أم مصدر سلطة قاهرة خارجية؟ هل يكفي الاعتماد على الضمير الأخلاقي الفردي؟ أو أم أنه من الضروري الانتقال إلى المحاسبة القانونية؟ كيف تسمح الأخلاق والقيم الأخلاقية بتحرر  الإنسان وهي في ذاتها تقنين لتصر فاته؟ كيف يمكنه ممارسة حريته داخل قوانين تحد من هذه الحرية؟
I-                الـواجــــب
دلالات المفهوم :
يتخذ الواجب الأخلاقي في الدلالة الحامية، المتداولة معنى القدرة على التحكم في التصرفات، وذلك الأمر الداخلي الذي يتحكم في وجدان الأفراد ويحول دون  إتيانهم تصرفات مشينة وغير مقبولة لذلك يربط عامة الناس مفهوم الواجب بطبيعة التربية التي يتلقاها الفرد داخل الأسرة،
أما في اللغة العربية [لسان العرب لأبن منظور]  الواجب  من وجب الشيء يجب وجوبا أي لزم وأوجبه هو، وأوجبه الله يقال وجب الشيء وجوبا ثبت ولزم وإذن معنى الواجب هو اللزوم والثبات وفي اللغة الفرنسية devoir بمعنى الواجب أو الإجبار الأخلاقي العام، كما ننعت شخصا ما بأنه رجل واجب، أي أنه يحترم ما تمليه الضرورة الأخلاقية.
 أما في الدلالة الفلسفية حسب لالاند (معجم) فإن الواجب هو: الوجوب الأخلاقي الذاتي الذي يركز على النداء الباطني بمعزل ومنأى ومبعد عن أي قاعدة خارجية كالدين والقانون، أي ينصرف إلى الامتثال الإلزامي الذي يتأسس كسلطة قهرية خارجية
المحور الأول: الواجب والإكراه.
إشكالية المحور:
هل الواجب يصدر عن إرادة فاعلة وحرة أم هو فعل تحكمه الضرورة والإكراه؟
أطروحة كانط :
يرى الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط أن الفعل الأخلاقي ضرورة عقلية نابعة من ذات إنسانية تتمتع بنوع من الحرية والاستقلال الذاتي Autonomie وهذا معناه  أن كل عاقل لابد أن يقتنع  ويقبل بالفعل الأخلاقي على شكل واجب حتى وإن تعارض مع ميولا ته الذاتية، ما دامت الغاية هي تحقيق أكبر حرية إنسانية طبقا للقوانين بحيث يمكن لحرية كل واحد أن تتعايش مع حرية الآخرين.
هذه المقولة تستمد قوتها من كون احترام القانون الأخلاقي الذي يحكم الجميع ضرورة لا محيد عنها حتى يتمكن الشخص من التعايش مع الجميع تحت  مظلة المساواة أمام القانون والمرجع الأساس الذي يجب أن ينطلق منه الجميع حسب كانط هو العقل لأنه كوني بالنسبة للجميع، والحكم الأخلاقي إذ يصدر عن الإدارة الخير الحرة التي مصدرها العقل هي الأخرى، فهو أيضا يمكن توصيفه بالكوني الإرادة تلك يجب أن تكون غاية في ذاتها تفترض أن يكون الواجب الأخلاقي هو الآخر خال من كل غاية منفعية وبالتالي غاية في ذاته مبنية على الاقتناع، بحيث يكون الإلزام داخلي وذاتي قائم على النية الحسنة والخالصة، والإكراه يصبح هنا فعلا من أفعال الإرادة، إكراه حر يتخذ صفة الأمر القطعي المطلق والخال من الغائية، فهل يمكن تصور إرادة بدون حرية؟
أطروحة دوركهايم :
يرى عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركهايم (1858-1917م) أنه بالإضافة إلى الطابع الإلزامي الذي يسم الواجب، ثمة رغبة وميل نحو إنجاز الفعل الأخلاقي الخير، الواجب بهذا المعنى محط رغبة مادة الإنسان خير بطبعه وليس فقط محض إلزام، إننا نشعر بنوع من اللذة لا مثيل لها عند ممارستنا للواجب، بسبب أنه واجب. لم يعد الواجب مجرد معطى متعالي خالص وإنما هو مرتبط بتجربة الذات في علاقتها بالآخر. والتجربة تثبت أن المجتمع. يرفض نظامه الأخلاقي في ظل مجتمع يفتقر إلى الحرية. في خضم هذا التضارب يرى دوركهايم أنه ليس هناك فعل أخلاقي خالص تم القيام به على أنه واجب، بل يكون من الضروري دوما أن يظهر هذا الفعل على أنه جيد ومستحسن بشكل ما، وعلى العكس من ذلك يبدوا أنه لا توجد موضوعات مرغوب فيها بشكل خالص. لأنها تتطلب دوما قدرا من المجهود الشخصي.
المحور الثاني: الوعي الأخلاقي
إشكالية المحور:
: ما علاقة مفهوم الواجب بالوعي الأخلاقي؟
أطروحة فرويد :
إن إجابة المحلل النفساني سيغموند فرويد عن هذا الإشكال لم تخرج عن الخطاطة العامة التي يرسمها للجهاز النفسي عامة حيث يقسم الأخير إلى ثلاث هيئات: الأنا، الهو، الأنا الأعلى، يمثل الأنا الأعلى مجمع العادات والتقاليد والسلطة الخارجية التي يستبطنها الفرد إذا تصبح هي العامل الأول والأخير في الحكم على الأشياء، أما الأنا فدوره كامن في إيجاد نقطة الاتزان بين الأنا الأعلى والهو، حيث إن الأخير يحمل بين طياته كل ما بتمثله الفرد من غرائز والأخص بالذكر هنا  غريزة الجنس ، من هذا المنطق يكون الحديث عن الضمير بالنسبة للتحليل النفسي لم تعد معلقة في سماء الحرية التي يدعى الفرد امتلاكها بقدر ما  أن الأخلاق أصبحت جزءا من كل العالم الخارجي.
أطروحة كينتشاينر :
ينطلق صاحب النص كينتشاينر في إطار معالجته للضمير الأخلاقي من مقدمة مفادها أن هذا الأخير هو ذا منحى تاريخي تطوري فلا ينفك يتقدم ويتطور من حالة إلى حالة أخرى وهو مرتبط بالمحددات السوسيو اجتماعية ولا انفصال له عنها، ويقول كينتشاينر " للوعي الأخلاقي  تاريخ" بأي معنى هو كذلك؟ وأي تاريخ هو؟ يؤرخ كينتشاينر للوعي التاريخي من موقع أوروبا الجغرافي، من زاوية الإصلاح الديني للقرن الثامن عشر  والتاسع عشر عقائديا، إن الوعي التاريخي أرتبط في نشأته الأولى، بما هو خارجي لا يكون للفرد فيه أي مجال أو فسحة للحرية بل تفيد بها التقييد أما المرحلة الثانية فهي التي سيعمل فيها الفرد على القطع مع كل السلط الخارجية قطعا ليصبح مسئولا عن أفعاله، من هذا المنطق يظهر لنا أن الوعي الأخلاقي هو جزء من بنية وعي تاريخي منفتح ومتطور.
المحور الثالث: الواجب والمجتمع
إشكالية المحور:
هل الأخلاق التي يحكمها مبدأ الواجب تقتصر على ضمير الفرد أم يؤطرها ضمير المجتمع؟
أطروحة ماكس فيبر:
ينصرف عالم الاجتماع ماكس فيبر في حديثه عن الواجب الأخلاقي و الأخلاق عموما إلى القول بأن الأخلاق في مجملها تنقسم إلى نمطين اثنين: نمط أول موسوم بأخلاق الاقتناع ذات المظهر المثالي و المتعالي التي يكون فيها الفرد غير متحمل لأية مسؤولية، و إنما هي مركونة إلى المؤثرات و العوامل الخارجية التي لا يتدخل فيها الفرد، و إنما تظهر  فيه بتأثير الأبعاد الدينية، بما هي صوت متعال يصدر أوامره، حيث إن " أخلاقية الاقتناع لن ترجع المسؤولية إلى الفاعل، بل إلى العالم والمحيط و إلى حماقة البشر و إلى مشيئة الله الذي خلق الناس على هذه الصورة. ونمط ثان من الأخلاق هي أخلاق المسؤولية، التي تصدر من الذات الفردية و تتأسس على الوعي الفردي الحر، إذ "نحن مسئولون عن النتائج التي يمكن توقعها لأفعالنا"، و لا ترجع المسؤولية إلى بعد خارجي قسري، لا علاقة لهذه الأخلاق بالقدر أو بالحظ، ومن هنا فالفرد سيتأكد أن هذه النتائج  ترجع إلى مسؤولية  فعله  الخاص.
أطروحة راولز:
ينصرف جون راولز1921- 2002م الفيلسوف الأمريكي في حديثه عن الواجب الأخلاقي إلى الحديث عن الواجب باعتباره نمط من التضامن الذي يؤسسه الجيل السابق للجيل اللاحق، وحتى يستطيع الجيل الأول أن يوفر كل إمكانيات العيش الرغيد والمريح، إن "الأجيال السابقة تتحمل على كاهلها أعباء كثيرة تصب في صالح الأجيال اللاحقة، وبالتالي فكل جيل يتحمل على عاتقه ضرورة تأمين المستقبل الذي لا  يجعل الجيل اللاحق في حالة من الضياع والتشتت.
وكثيرة هي المناحي التي ينبثق منها هذا الواجب الأخلاقي بما هو تضامن بين الأجيال الذى يظهر بشكل بارز في المجال الاقتصادي، إذا الاقتصاد هو المحرك الوحيد للتاريخ، وعدم القدرة على امتلاكه لا يجعل الحياة رغيدة ومريحة، وهذا التضامن هو خدمة للمجتمع عموما وتقسيم الثروات بشكل عادل، ومن أجل أن يكون المجتمع قد أدى واجبه في العدالة.
II- الســـعــادة
دلالات المفهوم
الدلالة العامية
  يتباين الناس في تمثلهم للسعادة، فمنهم من يرى السعادة في الصحة ، ومنهم من يراها في المال، ومنهم من يراها في الصداقة، ومنهم من يراها في راحة البال، ومنهم من يراها في تلبية كاملة للرغبات، وتحقيق المتعة في شتى أشكالها … والعلة في اختلاف الناس في تمثلهم للسعادة هو جانب النقص الذي يعاني منه كل إنسان، فالفقير يرى السعادة في المال، والمريض يرى السعادة في الصحة، والأعزب يرى السعادة في الزواج
الدلالة اللغوية
في اللغة العربية حسب "لسان العرب" السعادة بمعنى اليمن وهو نقيض النحس، والسعود خلاف النحوس، والسعادة خلاف الشقاوة، أما السعد فيدل على الطيب ذي الرائحة الزكية
الدلالة الفلسفية
أما الدلالة الفلسفية فهي تحدد "السعادة كحالة إرضاء تام للذات  يتسم بالقوة والثبات ويتميز عن اللذة للحظيتها وعن الفرح لحركيته" إن السعادة تتداخل فيها ويتقاطع فيه حقول مختلفة بيولوجية وسيكولوجية وميتافيزيقية واجتماعية وسياسية، ويتاخم مجموعة من المفاهيم الفلسفية الأساسية تدل على  الخيرو الفضيلة و العدالة والعقل والجمال والوجود...
المحور الأول تمثلات السعادة
إشكالية المحور:
هل للسعادة مدلول واحد أم تباين معايير تمثلها؟
أطروحة أرسطو :
يرى أرسطو أن التمثل العامي يختلف عن تمثل الحكماء للسعادة ذلك أن التمثل العامي يقلب المعنى المادي الذي يرى في السعادة ضربا من ضروب المتعة واللذة [المريض يرى السعادة في اكتساب الصحة والمعوز في اكتساب المال، والعاشق يراها في الزواج من معشوقته...] لذلك فحسب أرسطو "لا يوجد إلا ثلاثة أصناف من المعيشة يمكن تمييزها. 1- عيشة العوام التي ذكرناها سابقا 2- العيشة السياسية أو العمومية 3- العيشة التأملية والعقلية". ويرتبط بكل نوع من هذا العيش ثلاثة أنواع من السعادة هي :
العيشة الحسية وهي سعادة اللذة الجسدية، لذة الطعام والشراب والجنس وهي لذة يشترك فيها الإنسان مع الحيوان وهي سعادة وقتية تفقد الإحساس باللذة مع المدة وتنتهي إلى الألم والمرض. أما الثانية فهي السعادة السياسية: مطلوبة من الكثير من الناس، ولكنهم ما يلبثوا أن يشعروا بالتعاسة عندما يفقدوا مراكزهم ، ويعرفوا أن الناس كانوا يعظمونهم لأجل الوظائف التي يمثلونها وليس لأشخاصهم، كأن هذه السعادة وقتية وهي متوقفة على الناس يمنحونها ويسلبونها وفقا للمركز الشخصي لا للقيمة الذاتية. أما السعادة الثالثة فهي السعادة العقلية وهي التي ترمي إلى تحقيق الفضيلة باعتبار أنها العمل بمقتضى الحكمة والحكمة ملكة عقلية تكتسب بالتمرين والتعود على طلب الحق والخير الصحيح وفضائل الحكمة عملية ونظرية وتبين لنا الحكمة العملية أن الفضيلة قوة تكتسبها عن طريق ممارسة أعمال تتوفر فيها الإرادة الحرة والمعرفة والنزوع إلى الخير أما الفضائل فهي تقع في الوسط مابين المغالاة " الإفراط" والتقصير "التفريط" مثل الشجاعة وسط بين رذيلتين هما التهور والجبن والكرم وسط بين الإسراف والبخل والعدل وسط بين المحاباة والظلم وتحكم العقل والإرادة في تعيين الفضيلة يتم عن طريقهما الممارسة الواقعية للفضيلة دائما ويقوم بها فانها تصبح طبيعة فيه يتجه إليها من دون تردد وبذلك تتحقق له السعادة
أطروحة ابن مسكويه:
يحاول ابن مسكويه  ت 321 ه تقديم التمثلات السائدة عن السعادة لدى كل من الحكماء والعوام وهو إذ يفعل هذا يقول أن الحكماء من أمثال فيتاغوراس وابقراط وأفلاطون لما قسموا السعادة جعلوها كلها في قوى النفس أي القوى الثلاثة " القوة الغاضبة والقوة الشهوانية والقوة العاقلة  الثانية والثالثة تحرك الإنسان إلى مايشتهيه أو يجذبه من الملذات والخيرات أما الأولى فتحركه إلى الغضب عدوانا أو دفاعا أو نجدة والقوة الناطقة العاقلة هي التي يحصل بها التمييز والروية والتفكير ولكل من هذه القوى فضيلتها ففضيلة النفس الشهوانية العفة وفضيلة النفس العاقلة الحكمة ومن اعتدال هذه الفضائل الثلاثة ومن نسبة بعضها إلى بعض تحدث فضيلة رابعة هي كمالها وتمامها وهي العدالة
أما الرواقيون فجعلوا السعادة في النفس غير مكتملة إذا لم تقترن بالجسد أو حتى ماهو خارج الجسد هذا بخلاف المحققين من الحكماء الذين لايربطون السعادة بما هو خارج الجسد فيعتبرونها ثابتة لا تتغير ولا يلحقها زوال ولا تغير أما العامة من الناس فتختلف طبائعهم في تمثل السعادة فالمريض يجدها في اكتساب الصحة والمعوز في اكتساب المال والغريب في العودة إلى وطنه  وعموما فالتمثل العامي يغلب عليه المعنى المادي الذي يرى السعادة ضربا من ضروب المتعة واللذة  
المحور الثاني : البحث عن السعادة
إشكالية المحور
بأي شكل تكون السعادة ممكنة وما سبيل تحققها؟
أطروحة أبيقور :
إن السعادة عند الفيلسوف اليوناني أبيقور (341ق م – 270 ق م) هي: "لذة تلحق النفس والجسد"، لكن دون يعني هذا أن كل اللذات تحقق لنا السعادة إذ من اللذات ما يكون مفعولها عكسيا، بمعنى أنه عوض أن تحقق لنا السعادة تتسبب لنا في الألم، والعكس صحيح، فمن الآلام ما يكون وراء الصبر عليه تحصيل لذة أعظم، ومن هنا فلا ينبغي علينا أن نبحث عن كل اللذات وبالمقابل علينا ألا نتجنب كل الآلام ويشدد المذهب الأبيقوري على فضيلة القناعة، أي أن نقنع بما نملك وإن كان قليلا  إذ المتعة التي نجدها في تناول الطعام البسيط، ليست أقل من تلك التي نجدها في المآدب الفاخرة، بشرط أن يزول الألم المتولد عن الحاجة، فقليل من خبز الشعير والماء يجعلنا نشعر بلذة عظيمة إذا كانت الحاجة إليها شديدة ، إلى جانب تشديده على فضيلة القناعة يؤكد أبيقور على العيش البسيط، دونما أن يعني ذلك التقشف، فالقناعة والعيشة البسيطة لهما أفضل ما يضمن لنا الصحة الجيدة، وما ييسر لنا الاستجابة لمتطلبات الحياة الضرورية، كما أنها يجعلنا عند وجودنا أمام ما لذ وطاب من الأكل، قادرين عل التمتع بذلك حق التمتع، فضلا على تشبثنا بفضيلة القناعة والعيشة البسيطة يجعلنا لا نخشى تقلبات الدهور.
أطروحة سينيكا :
يطرح الفيلسوف الرواقي اليوناني سينيكا (65ق م 4 بعد الميلاد) في هذا النص إشكال ما هي الكيفية أو الوسيلة التي من خلالها يمكننا تحقيق الحياة السعيدة؟ فإذا كانت السعادة هي مبتغى الناس أجمعين في هذه الحياة فما هي الكيفية التي بواسطتها نستطيع أن نحصلها ؟ لا حظ  سينيكا أنه بمجرد ما يطرح هذا السؤال حتى تختلط عليه الأمور، وحتى يزول هذا الخلط على الإنسان وجب أن يحدد هدفه بكل دقة ثم بعد ذلك ينظر في كل الاتجاهات عن السبيل الكفيل بأن يقده إلى تحقيق هدفه بأقصى سرعة، هذا الطريق أو السبيل الذي ينبغي أن يكون مستقيما حتى نتمكن من أن نعرف كل يوم كم تقدمنا وكم حققنا من هدفنا هذا الهدف الذي ندفعه نحو الرغبة أللازمة لطبيعتنا، وحتى نتمكن من اختيار الطريق المستقيمة الذي وحده سيقودنا إلى تحقيق هدفنا علينا أن نستعين بإنسان خبير أو مرشد حكيم  يكون  سبق له وأن يختبر الهدف الذي نقصده، ويحذرنا سنييكا عند عزمنا السفر بحثا عن السعادة أن لا نسلك الطريق  الأكثر استعمالا، إذ هو الأكثر تضليلا، وما هذا السبيل الأكثر استعمالا إلا طريق أو سبيل العامة، بل على  العكس من ذلك، علينا أن نبتعد عن طريق المحاكاة، أي ضرورة الاستقلال عن طريق تتبعه العامة في  تحصيل السعادة وإتباع طريق العقل.
المحور الثالث: السعادة والواجب
إشكالية المحور
ما  علاقة السعادة بالواجب ،هل هي علاقة تكامل ﺃم علاقة  ﺇعاقة؟
  بمعنى ﺁخر، هل يكمن ﺃساس السعادة في فعل ما نريد،ﺃم في الانصياع للواجب و القانون، طبيعيا كان ﺃو ﺃخلاقيا؟
أطروحة إبكتيت:
تنطلق فكرة إبكتيت الفيلسوف الرواقي (125- 50 ق.م ) من فكرة أن الطبيعة قانون وعقل الإنسان جزء من هذه الطبيعة وهذا العقل وعليه فهو يدعوا  أن يحي الإنسان وفق هذه الطبيعة إذا أراد إدراك السعادة وتجنب الشقاء. وإلا سيكون متمردا على القانون الطبيعي. ويتعرف الإنسان على قانون سيرته في هذه الحياة بالرجوع إلى ميوله الأساسية التي وضعتها الطبيعة فيه لتدله على ما يريد والميل الأول هو حب البقاء الذي يجعله يميز ما يوافقه وما يضاده، والأبيقورية في نظره على ظلال حين رأت أن الميل الأول طلب اللذة، فما اللذة والألم إلا عرض ينشأ حين يحصل الإنسان على ما يوافق طبيعته أو يضادها لذلك تنقلب اللذة ألما وشرا إن ظلت لذتها دون النظر إلى مدى مطابقتها للقانون الطبيعي والإرادة الكلية، إلي تلك المطابقة وحدها الحكمة والخير مدى مطابقتها للقانون الطبيعي والإرادة الكلية، ففي تلك المطابقة وحدها الحكمة والخير والفضيلة والسعادة إن الطريق الموصل إلى السعادة حسب إبكتيت هو الخضوع للقانون الطبيعي والإرادة الكلية التي هي مبدأ ما يحدث ففي العالم أشياء تتوقف علينا وأشياء خارجة عن إرادتنا.
لذلك فكلما تحركنا في دائرة الأفعال التي تخصنا توصلنا إلى السعادة، في حين يؤدي التحرك خارج هذه الدائرة أو التطلع إلى الأشياء الخارجة عن إرادتنا أو التي توجد تحت سيطرة الغير إلى الإضراب والشكوى وبالتالي إلى التعاسة. إن ما يجلب للناس التعاسة ليست الأشياء في ذاتها بل الآراء التي لديهم عنها فالموت مثلا حسب ابكتيت ليس شرا وألما في ذاته بل الآراء التي لديهم عنها فالموت مثلا حسب ابكتيت ليس شرا وألما في ذاته بل الشر يكمل في الرأي الذي لدينا عن الموت بأنه شر وألم  وذلك هو الشر. إن الموت في  ذاته مطابق للقانون الطبيعي والإرادة الكلية، فكل الأشياء العرضية كالموت وغيره ليس متعلقا بإرادتنا وليس خيرا أو شرا بالذات بل متعلق كما أسلفنا القول بالإرادة الكلية والقانون الطبيعي، فمن الحماقة إذن أن نهلع لمرض أو نحزن لنكبة، إنه من الواجب أن نعتصم  بإرادتنا الفردية ونحتفظ بحريتنا لنرتفع بأنفسنا فوق كل شيء لا نخاف ، لا نحزن بل نقبل كل ما يصيبنا من  فاجعات، فمن واجب الإنسان إذا أراد أن يحيى وبإمكانه ذلك أن يعمل على مطابقة إرادته الفردية مع الإرادة الكلية.
أطروحة كانط :
على العكس من ذلك يرى الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط أن السعادة لا يمكن أن تكون مستقلة عن القانون الأخلاقي وعن مبدأ الواجب، لأن ميدان الأخلاق والذي تعتبر السعادة غايته ليس ميدانا لتحليل العواطف الإنسانية كما ذهب إلى ذلك البعض من الفلاسفة كهيوم وإلا كانت المبادئ الأخلاقية مبادئ متنازع عليها. كما أنه لا يمكن أن يكون مستمدا من الميولات الأساسية التي وضعتها الطبيعة في الإنسان كما ذهب إلى ذلك إبكتيت، معنى هذا أن للأخلاق أصول عامة شاملة وصادقة في كل زمان ومكان إن مبدأ الأخلاق مستقلة تماما عن طبيعتنا الحسية فهو مستمد من الصورة الخالصة للعقل دون الاستعانة بالحساسية، كما أن الإنسان نظرا لتميزه  بالعقل في غير حاجة إلى فلسفة أو العلم لفعل ما يجب عليه القيام به ، ففي تجربة الصراع بين الضمير والأهوال ينبثق المبدأ العقلي للواجب الذي يلزم الإنسان بتطبيق القانون الأخلاقي حتى ولو تعارض مع ميولا تهم ومنطلق هذا الواجب هو  الإرادة الخيرة ، إذ لا قيمة للفضائل بدون هذه الإرادة وإذن وعليه فالسعادة حسب كانط باعتبارها كل مطلق مركب من مجموعة من الرغبات يصعب تحقيقه أو تعريفها لأن جميع العناصر التي تتركب فيها هي في جملتها مستعارة من التجربة مما يجعلها مفهوما للخيال وليس للعقل إن السعادة حسب كانط تتوخى الشمولية والأخلاقية، وهي لا يمكن أن تكون مستقلة عن القانون الأخلاقي وعن مبدأ الواجب إن السعادة تتمثل إذن وانطلاقا مما سبق في الخضوع للقانون والواجب والامتثال لأوامرها.
 
III- الــحـــريــة
دلالة المفهوم
يعتبر مفهوم الحرية بمثابة قيمة إنسانية سامية تنطوي على مزيج من العناصر الأخلاقية والاجتماعية غير أنها من أكثر المصطلحات اللغوية والفلسفية إشكالية. فهي مصطلح يوظف أساسا في عالم الإنسان، باعتبارها حاجة إنسانية أصلية وجزءا مكونا لشخصية كل إنسان وهكذا فالحرية تعني عند البعض: غياب القيود والقدرة على فعل الفلاسفة اليونان مفهوم الحرية بمعان مختلفة يبقى أهمها التعريف الذي منه إياها أرسطو "إن الاختيار ليس عن المعرفة وحدها بل أيضا عن الإرادة ... والاختيار هو اجتماع العقل مع الإرادة معا"، أما عند الفلاسفة المسلمين فقد ارتبط الحديث عن الحرية بالحديث عن القدرة "والجبر والاختيار" وفيها إذا كان الإنسان مخيرا أو مسيرا حيث تراوحت آراءها روادها بين قائل بأن الإنسان مجبر على أفعاله، وقائل بأن الإنسان ليس مجبرا وبأن له قوة واستطاعته بها يفعل ما اختار فعله
المحور الأول: الحرية والحتمية
إشكالية المحور
هل الحرية تتعارض مع الحتمية أم أن الوعي بالحتمية هو أساس الحرية؟
أطروحة العروي :
نشأ مفهوم الحتمية كنقيض لمفاهيم ومبادئ اعتقد أنها هي التي تحكم العالم، كالصدفة والعشوائية والفوضى وغياب النظام والاعتقاد في خضوع العالم إلى قوى غيبية لا سبيل إلى معرفتها أو التحكم فيها على الأقل. ويقصد بالحتمية الاعتقاد بأن الظواهر تخضع في نشوئها وتطورها وزوالها، لعوامل مادية مضبوطة يمكن معرفتها والتحكم فيها وفي نفس السياق يحاول المفكر المغربي عبد الله العروي أن ينحو منحى آخر في مقاربته المفهوم الحرية، فهذه الأخيرة في اعتقاده غير متعالية عن الواقع، كما اعتبرها البعض، بل محايثة له اتخذت قديما طابعا بسيطا ومختزلا بحكم القيود والضوابط التي عرفتها الأشكال التقليدية للمجتمعات، والتي لم تكن تسمح سوى بهامش ضئيل من الحرية، أما في الآونة الراهنة فالحرية لم تعد معطى جاهز يملكه الفرد مسبقا، بل عملية تحرير مستمرة، تحتك بعمليات تحررية أخرى تخوض معها نفس التجربة لكن بأشكال مختلفة بحكم فرادة الذات وخصوصيتها. أن التقدم العلمي وسع أشكال الحرية الفردية حيث بدأ العلم يقلص الحرية إلى أبعد حد وأمسى يهدد بتحوله من أداة لفهم الإنسان إلى وسيلة للتحكم والسيطرة عليه، ولكي يعزز موقفه هذا أورد أسلوب التقابل حيث قارن بين النقاش القروسطوى حول الحرية والذي انشغل بإشكالية الجبر والاختيار والتوفيق بينهما والنقاش الحالي الذي يسعى بدوره إلى التوفيق بين الحتمية العلمية وحرية الوجدان إن القول بالحتمية يقلص من دائرة الحرية غير أن الوعي بالحتمية  يوسع من أفاقها وإمكانياتها .
أطروحة بوبر:
ينتقد كارل بوبر الحتمية التي  جاءت بها العلوم الإنسانية، مشبها إياها بالقدرية القبلية ومناديا بنزعة لا حتمية، فإذا كانت العلوم الإنسانية تصر على خضوع الإنسان لسلسلة من الإكراهات والمحددات، فإن يوبر يدافع عن النزعة اللا حتمية، والتي لا تعني ادعاء امتلاك الإنسان لحرية مطلقة، فالحرية الإنسانية مرهونة بمحددات أساسية تتجلى في العلوم الفيزيائية الطبيعية إنه العلم العاطفي الوجداني والعلم الفكري، غير أن الإنسان وإن كان خاضعا لهذه المحددات، فانه في المقابل يختار بمحض إرادته، من بين إمكانيات عديدة الإمكانية التي تلائمه، وإذن فبوبر يدافع عن  النزعة اللاحتمية، والتي ترفض القبول بالحتمية المطلقة، وتقر بوجود إكراه ملازم للحرية كما يقول: "يمكن أن نكون عبيدا في العالم ومع ذلك نكون أحرارا".
المحور الثاني: الحرية والإرادة
 إشكالية المحور:
هل يعني امتلاكنا للإرادة، أننا أحرار في تقرير شؤون الحياة المختلفة؟ هل أفعالنا نتائج لإرادتنا أم أننا ملزمون بها؟ هل الإرادة شرط للحرية؟.
أطروحة ديكارت:
يرى الفيلسوف روينه ديكارت أن الإنسان كائن حرا وحريته لا  تخضع  لأي إكراه خارجي فبإرادته الحرة يختار هذا الفعل أو يحجم عنه فحرية الإنسان ناتجة عن إرادته المطلقة، غير أنه يميز بين الحرية الحقيقة، والتي تكمن في القدرة على الاختيار بين أمرين، والحرية المزيفة التي تنبع من  اللامبالاة وتتساوى عندها المتناقضات. إن الإنسان إذن كائن حر وحريته تقوم على الإرادة والقدرة على الاختيار وليس اللامبالاة. هل ينبغي الاكتفاء بهذا التصور كحل  للحرية؟
أطروحة سارتر :
يعتبر الفيلسوف الفرنسي جول  بول سارتر، فيلسوف الحرية بامتياز ، فمفهوم الإرادة عنده قوة إعدام وهذا ليس بجديد فسارتر قد نصب  نفسه خصما لذودا لكل ألوان الجبرية، فالحرية هي نسيج الوجود الإنساني، والشرط الأول للعقل هو الحرية : "إن الإنسان حر، الإنسان حرية... الإنسان محكوم عليه أن يكون حرا، محكوم عليه لأنه لم يخلق نفسه وهو مع ذلك حر لأنه متى ألقي به في العالم فإنه يكون مسئولا عن كل ما يفعله" هكذا يتحكم الإنسان في ذاته وهويته وحياته، في ضوء ما يختاره لنفسه بإرادته ووفقا لإمكاناته إن الحرية هي ماهية الإنسان، وهذا هو فحوى الفلسفة الوجودية، إن الإرادة تشترط الحرية، والحرية هي الماهية الفعلية للإنسان.
المحور الثالث: الحرية والقانون.
إشكالية المحور:
هل الحرية تتعارض مع القانون؟
أطروحة هوبس:
يعتقد توماس هوبس أن كينونة الحرية في الإنسان هي الدافع الأساسي لأعمال حريته وليس القانون مضيفا أنه إذا لم يكن الإنسان حرا بحق وحقيقة، فليس هناك موضع للإدعاء بأن هذا الإنسان يكون حرا فقط عندما يكون تحت نظام قانوني معين إذ تبقى الحرية عند هوبس نصا يمتلك معنى واسعا ولكنه مشروط بعدم وجود دوافع لإحراز ما يرغب فيه الإنسان، فالإرادة أو الرغبة لوحدها لا تكفي لإطلاق معنى الحرية، وهوبس كغيره من رواد  الفكر السياسي الغربي، يؤمن بأن حرية الإنسان تنتهي عند حرية الآخرين، فقد رفض الحرية الزائدة غير المقيدة، إذا أكد بأن الحرية ليست الحرية الحقيقية لأنها خارجة عن السيطرة، بالأحرى سيكون الإنسان مستعبدا من خلال سيادة حالة من الخوف المطرد المستمر، إن المصالح الشخصية الخاصة وحتى الحياة نفسها ستكون عرضة للرعب والخوف، من قبل الآخرين أثناء، أعمالهم لحرياتهم، فالحرية المطلقة تؤدي إلى فقدان مطلق للحرية الحقيقة.
أطروحة بنيامين كونستان :
في جانب آخر يرى بنيامين كونستان أن الحرية هي الاستمتاع الهادئ بالاستقلال الفردي  فالكل يحلم بحرية هادئة بعيدة عن المصاعب والمشاق، لكن المصاعب هي جزء من الحياة وتكوينها لأننا لا نعرف قيمة الحرية إذا لم نضعها فوق المحك، وكونستان وضع بالفعل حريته في المحك حينما نفاه نابليون بونبرت أحد عشر عاما، جزاء معارضته لتصرفاته، فهو رغم إشادته بوجود قانون ينظم العلاقات بين الأفراد داخل المجتمع، رفض أن يصبح هذا القانون نفسه أداة في يد واحدة، تتصرف فيه وفق ميولا ته ونزواتها الخاصة  دونما اكتراث بمطالب وأراء أفراد الشعب أو من ينوب عنهم إن كونستان يرى أن خصائص الحرية المحدثة تراهن على حرية الفرد في الفكر والكلام والحركة اعتمادا على قوانين مشروعة تحمي حقوقه الإنسانية الجسمية منها والفكرية... إن الحرية بمعناها الحديث أكثر عمقا واتساعا لأنها امتثال للقوانين وتحقيق للحريات.
استنتاج:
يبدوا لنا من كل ما تقدم، أن مفهوم الحرية ليس من السهل الإمساك بكل خيوطه كما يقال على اعتبار أنه مفهوم زئبقي،  إن الحرية هي القدرة على التصرف بأفكارنا وسلكها في نظام غير محتوم وأنها هي الحقيقة الأولى السابقة على كل حقيقة، كما ان الحرية هي تفاعل مستمر ومتداخل بين الذات التي تتصرف من جهة وبين المواقف او الظروف التي تجد نفسها إزاءها من جهة أخرى. إن الحرية الإنسانية ليست حرية مطلقة بل هي دائما حرية مناضلة ومجاهدة.. liberté militante






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـ موسوعة حرة 2022 * 2023 ©