*** ظاهرة تشغيل الاطفال بالمغرب ***
:تمهيد
لا تزال ظاهرة تشغيل الأطفال تثير قلق العديد من الفاعلين الاجتماعيين في المغرب. وتمس هذه الظاهرة أعدادا متزايدة من الأطفال سواء كانوا ذكورا أو إناثا وخصوصا في الأحياء الشعبية أو الهامشية وكذلك في البوادي.فما مفهوم تشغيل الاطفال ؟ وما مظاهر واشكال تشغيل الاطفال بالمغرب ؟ وما هي الحلول الناجعة للحد من هذه الظاهرة ؟.
المحور الاول : مفهوم تشغيل الاطفال ؟
يُعرّف تشغيل الأطفال بأنه كل شكل من أشكال النشاط الاقتصادي الذي يمارسه أطفال، والذي يحرمهم من كرامتهم ويضرّ بنموهم الطبيعي والجسدي والنفسي. ويرتبط عمل الأطفال –في جميع الأزمنة- أساسا بفقر الأسر، فبعض الآباء يدفعون أبناءهم إلى العمل من أجل تحسين أوضاعهم الاجتماعية،كما انه يعرف بالعمل الذي يضع أعباءا ثقيلة على الطفل، والذي يهدد سلامته وصحته ورفاهيته،و يستفيد من ضعف الطفل وعدم قدرته عن الدفاع عن حقوقه، وبالتالي يصبح الطفل كعمالة رخيصة بديلة عن عمل الكبار،تعيق نموه وتعلمه بشكل طبيعي ليضمن مستقبله.
المحور الثاني : مظاهر واسباب تشغيل الاطفال بالمغرب ؟
تستقطب العديد من الوحدات الإنتاجية المغربية الأطفال دون سن الخامسة عشرة، سعيا منها إلى الربح السريع وبأقل تكلفة. وأهم هذه الوحدات هي صناعة التعليب والقطاع الفلاحي والمهن اليدوية وكذلك البيوت التي تشغل الخادمات بأقل سعر وبدون أية حقوق أو ضمانات. ولا يكاد المرء يقوم بجولة في شوارع المدن الكبرى أو الصغرى بالمغرب حتى يفاجأ بقيام الأطفال بأعمال يدوية كثيرة ومتنوعة كالنجارة والحدادة، وكذلك البيع في المتاجر.نفس الشيئ تتم ملامسته في البوادي المغربية خاصة وان معظم الاطفال يعملون في المجال الفلاحي والرعي الجائر...وهذا ما اذى الى تفاقم اوضاع الطفولة المغربية.
احصائيات حول ظاهرة تشغيل الاطفال بالمغرب المتراوحة اعمارهم بين 7 و 15 سنة ما بين سنتي 1999 و 2010
% من اطفال المغرب يتوجهون للعمل عوض الدراسة 40
سنة 1999 بلغ عدد الاطفال المشتغلين 600 الف . وهو ما يمثل نسبة 9,7 % من مجموع هذه الشريحة العمرية
سنة 2005 بلغ عدد الأطفال المشتغلين بالوسط الحضري 19 الف طفل أي 0,7%، مقابل 2,5% سنة 1999، من الأطفال الحضريين البالغين مابين 7 وأقل من 15 سنة. أما بالوسط القروي فقد بلغ هذا العدد 151 الف طفل أي ما يمثل 6,4%، مقابل 16,2% سنة 1999
أن تسعة أطفال مشتغلين من بين كل عشرة (89%) يقطنون بالوسط القروي وهو ما يبين أن تشغيل الأطفال بالمغرب ظاهرة قروية بامتياز.
فيما يخص الخصائص السوسيوديموغرافية للأطفال المشتغلين، فإن 6 من 10 أطفال مشتغلين هم ذكور. وتنتقل هذه النسبة من 55,9% بالوسط القروي إلى 83,3% بالوسط الحضري. من جهة أخرى، فإن 16,6% من الأطفال يشتغلون موازاة مع تمدرسهم و 56,1% غادروا المدرسة بينما لم يسبق ل 27,3% منهم التمدرس.
يتمركز تشغيل الأطفال في قطاعات اقتصادية محددة. وهكذا فإن قطاع "الفلاحة والغابة والصيد" يشغل قرابة93,5% من الأطفال المشتغلين بالوسط القروي. أما بالوسط الحضري، فإن قطاعي "الخدمات" (43,9%) و"الصناعة بما فيها الصناعة التقليدية" (36,4%) يعتبران أهم القطاعات المشغلة للأطفال.
حسب الحالة في المهنة، فإن كل 9 أطفال مشتغلين بالوسط القروي من بين 10 هم مساعدون عائليون. أما بالوسط الحضري، فإذا كان حوالي نصف عدد الأطفال يعملون كمتعلمين (%48,3)، ونسبة المساعدين العائليين تقارب الربع (%23,2)، فإن طفلا من كل أربعة أطفال يعمل كأجير(24,6%).
سنة 2010 تراجع عدد الاطفال العاملين الى حوالي 170 الف طفل أي بمعدل 3,4 % من مجموع الأطفال البالغين ما بين 7 و15 سنة مقارنة بسنة 1999 التي بلغ فيها عدد المشتغلين 600 الف طفل .
لقد كانت وراء هذه النتائج الكارثية مجموعة من العوامل والاسباب ولعل اهمها مايلي :
الفقر : فقد كان عمل الأطفال ، في جميع الأزمنة، مرتبطاً أساساً بفقر الأسر.
فالفقر يدفع بالأطفال إلى العمل للحصول على النقود التي ستحسن من دخل الأسرة.
ولكن هل الفقر هو تفسير كاف لتبرير عمل الأطفال ؟
هناك أسباب أخرى عندما تتضافر مع الفقر، فإنها تشجع عمل الأطفال.
واستناداً إلى الدراسات والأشغال المختلفة المنجزة في ميدان عمل الأطفال، فإن عوامل أخرى تسهم في دفع الأطفال للعمل.
- الحجم الكبير للأسر - الفشل المدرسي - الهجرة من البوادي إلى المدن - تفكك الأسرة - تفضيل اليد العاملة الصغيرة في بعض النشاطات. - مواقف اجتماعية تحبذ عمل الأطفال
يمكن تحليل عمل الأطفال على ثلاثة مستويات.
أ) - الأسباب المباشرة هي الأكثر وضوحاً والأكثر بداهةً، ولها تأثير مباشر على الطفل وعلى الأسرة. والفقر والأحداث التي تغير التوازن المالي للأسرة هي من هذه الأسباب.
ب) - الأسباب الخفية هي القيم والأوضاع التي يمكن أن تجعل الأسرة عرضةً لقبول عمل الأطفال بل ولتشجيعهم عليه.
النزعة الاستهلاكية يمكن أن تدفع الأطفال والآباء إلى البحث عن كسب المزيد من المال لمواجهة احتياجات أخرى.
ج) - الأسباب البنيوية تتدخل على مستوى الاقتصاد والمجتمع ككل وتؤثر على الوسط الذي يمكن فيه لعمل الأطفال أن ينتعش أو على العكس أن يكون غير مشجع. ويشكل الناتج الداخلي الإجمالي الضعيف جزءاً من هذه الأسباب.
التأثيرات السلبية المدمرة لتشغيل الأطفال
يوجد أربعة جوانب أساسية يتأثر بها الطفل الذي يستغل اقتصاديا بالعمل الذي يقوم به وهي :
1) التطور والنمو الجسدي : تتأثر صحة الطفل من ناحية التناسق العضوي والقوة، والبصر والسمع وذلك نتيجة الجروح والكدمات الجسدية، الوقوع من أماكن مرتفعة، الخنق من الغازات السامة، صعوبة التنفس، نزف وما إلى أخره من التأثيرات.
2) التطور المعرفي: يتأثر التطور المعرفي للطفل الذي يترك المدرسة ويتوجه للعمل، فقدراته وتطوره العلمي يتأثر ويؤدي إلى انخفاض بقدراته على القراءة، الكتابة، الحساب، إضافة إلى أن إبداعه يقل.
3) التطور العاطفي : يتأثر التطور العاطفي عند الطفل العامل فيفقد احترامه لذاته وارتباطه الأسرى وتقبله للآخرين وذلك جراء بعده عن الأسرة ونومه في مكان العمل وتعرضه للعنف من قبل صاحب العمل أو من قبل زملائه.
4) التطور الاجتماعي والأخلاقي : يتأثر التطور الاجتماعي والأخلاقي للطفل الذي يعمل بما في ذلك الشعور بالانتماء للجماعة والقدرة على التعاون مع الآخرين، القدرة على التمييز بين الصح والخطأ، كتمان ما يحصل له وأن يصبح الطفل كالعبد لدى صاحب العمل.
المحور الثالث : طرق معالجة ظاهرة تشغيل الاطفال بالمغرب واهم التدابير المتخذة ؟
إن التصدي للظاهرة،يتطلب إجراءات شاملة تأخذ في حسبانها إلى جانب أهمية التحسيس والتوعية،محاربة عوامل الهشاشة أهمية التعليم الأساسي المجاني وضمان جودته وإلزامية انتشال الأطفال من العمل،وضمان إعادة تأهيلهم وإدماجهم اجتماعيا مع مراعاة احتياجات أسرهم،من خلال برامج عمل مندمجة.
وتنفيذا لالتزاماتها من أجل إنجاح السياسة الوطنية في هذا المجال تقوم وزارة التشغيل والتكوين المهني بتعاون مع مختلف المتدخلين المؤسساتيين والجمعويين على تتبع تنفيذ مقتضيات الخطة الوطنية للطفولة 2006-2015 في شقها المتعلق بمحاربة تشغيل الأطفال،من خلال مستويات التدخل التالية:
أولا : على مستوى التشريع:
وتفعيلا لمقتضيات مدونة الشغل وفي إطار مواصلة تأهيل تشريعاتنا الوطنية وما أوصى به برنامج"إنقاذ"،تم:
* إعداد مشروع قانون خاص بالمهن ذات الطابع التقليدي الصرف الذي ينص على مقتضيات تمنع تشغيل الأطفال؛
* وضع مشروع قانون خاص يتعلق بتحديد شروط التشغيل والشغل المتعلقة بخدم البيوت
ثانيا :على مستوى المبادرات التحسيسية والميدانية:
* انتشال 9367 طفلا من العمل وتفادي ولوج العمل لفائدة 19126 طفلا خلال سنة 2007 واستفادة حوالي 600 أسرة من الأنشطة المدرة للدخل، وذلك بتعاون مع البرنامج الدولي للحد من ظاهرة تشغيل الأطفال التابع لمكتب العمل الدولي؛
*تنظيم يوم دراسي حول الممارسات الجيدة في مجال محاربة تشغيل الأطفال بتاريخ 4 دجنبر 2007؛
* تعيين منسقين لتتبع ملف تشغيل الأطفال على صعيد مندوبيات التشغيل خلال سنتي 2007-2008؛
* وضع برنامج خاص بتكوين مفتشي الشغل في مجال محاربة تشغيل الأطفال يمتد على أربعة أشهر ابتداء من 25 مارس 2008.
*تفعيل وتطور برنامج التدرج المهني،من خلال انفتاح البرنامج على جمعيات المجتمع المدني في إطار برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
هذه المجهودات وأخرى تبدل من طرف كل الفاعلين في المجال وفي مقدمتهم المرصد الوطني لحقوق الطفل والمنظمات والجمعيات الوطنية والمحلية والبرامج المنتهجة في مجال دعم التمدرس ومحاربة الهدر المدرسي كبرنامج"أدرس"،سمحت لبلادنا من التقدم في خفض أعداد الأطفال في الشغل من 600.000 طفل عامل حسب الدراسة المنجزة بتعاون مع المكتب الدولي للشغل سنة 2007،إلى 177.000 (حسب آخر إحصاء وطني عام للسكان والسكنى لسنة 2004) وتتركز بالأساس بالقطاعات غير المهيكلة(مثلا 800 مؤسسة صناعية تمت مراقبتها برسم 2007 من طرف المصالح المختصة لوزارة التشغيل والتكوين المهني كانت نسبة تشغيل الأطفال بها 0 % أي لم تسجل أي حالة من حالات تشغيل الأطفال) وهو ما يجعلنا نتطلع بثقة إلى مواصلة التصدي وبأنجح وسائل التدخل لهذه الظاهرة.
عموما يمكن القول بان المغرب قطع اشواطا مهمة في التصدي لظاهرة تشغيل الاطفال .لكن من جهة الاخرى لا يكمننا ان نقول بان الظاهرة قد انتهت بل وجب بدل مزيدا من المجهودات للقضاء عليها بشكل نهائي.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق